مجتمع منحط عقيم
مجتمع منحط عقيم
تشير الإحصائيات إلى انخفاض حاد في معدلات المواليد والخصوبة في المجتمعات الحديثة، لعلَّ ذلك لاجتماع العديد من الأسباب مثل تحسُّن مستوى الرعاية الصحية للعجزة فتخلَّى البعض عن فكرة إنجاب أطفال لرعايته في هرمه، إضافةً إلى التكاليف الاقتصادية الكبيرة التي يتحمَّلها الوالدان، بجانب التشريعات القانونية الضارة المعقدة، وكذلك فإن تطوُّر حبوب منع الحمل وأساليب التعقيم الصناعي في ظل هيمنة كبيرة من التيار النسوي الذي أسهمت أفكاره في تعزيز الفردية، ففي مجتمع علماني تفقد الأسرة والأطفال معناهما المجرد.
يفسِّر الليبراليون ذلك بسبب عجز الرجل عن التكيف مع تطوُّرات وآثار النسوية وما منحته للمرأة من امتيازات، في حين يرى المحافظون أن ذلك نتيجة طبيعية لفصل الجنس عن الحب وإطار الزواج وهشاشة العلاقات الاجتماعية، وكذلك انتشار المواد الإباحية والعادة السرية التي دفعت أفراد الجنسين للبرود كل منهما تجاه الآخر، والانكفاء على الذات في صورة من صور العقم الصناعي، بينما على الجانب الآخر لا يزال الدين يدعم التكاثر والخصوبة ويحفِّز تكوين الأسرة.
لنجمع ما حصلنا عليه من نتائج: مجتمعات مسنَّة نسبة الشيخوخة بها أكبر من معدَّل المواليد المنهار، ما أتبع بتكاليف زائدة وديون على الميزانية بسبب الخدمات الصحية الرعائية، وتوقَّف لمعدلات النمو وبدء الانكماش، إضافةً إلى مزيد من الاستقطاب الطبقي، وقيود مفروضة على التعليم واستنزاف البيئة ومحدودية مواردها، بجانب الركود التكنولوجي، تحلُّ هجرة الدماء والعقول الشابة الجديدة للدول الغربية بعض المشكلات، لكنها تصنع مشكلاتها الخاصة، وتجلب معها الخوف والعنصرية وتهديدها لهوية المجتمع الأصلي.
الفكرة من كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
عند ذكر كلمة انحطاط، يتبادر إلى الأذهان التدهور والفساد الأخلاقي، وانغماس الأفراد في المتع والملذَّات دون معنى أو جدوى، ولكن إذا وسَّعنا أفق رؤيتنا ونظرنا إلى الحضارة في ضوء كلمة انحطاط، فإننا سنضمُّ الجوانب السياسية والاجتماعية والتكنولوجية إلى الأخلاقية، وسنحصل عندها على مفهوم شامل لكلمة انحطاط.
يعني الانحطاط في الحضارة التوقُّف عن التقدُّم بسبب فقدان الطاقة، والعمد إلى استهلاك واستنزاف الموارد الطبيعية بلا هدف واضح، وغرق المجتمع في العبث واللاجدوى، ووقوع المؤسسات في التكرار، ولكن كيف تجمع الحضارة الحديثة بين سمات الانحطاط ومعدلات تقدُّمها؟ وهل يقودنا الانحطاط إلى بداية التأخر والتخلف؟ أيمكننا تفادي تلك الظاهرة أم أنها حتمية؟ وما الذي يمكن أن يمثِّل الحل في الخروج من مرحلة الانحطاط؟
مؤلف كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
روس جريجوري داوثت: كاتب ومدوِّن أمريكي شهير في صحيفة نيويورك تايمز، الصوت الأكثر شهرة عن تيَّار اليمين المحافظ الأمريكي، كما أن له خبرة سابقة كناقد سينمائي، ومن أهم أعماله: “الدين السيئ كيف أصبحنا أمة من الزنادقة”، و”الامتياز: هارفارد وتعليم الطبقة الحاكمة” .
معلومات عن المترجم:
عبدالمنعم المحجوب: باحث لغوي ومفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب”، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
وشارك في التأليف: أنس المحجوب.