مجتمع القرية
مجتمع القرية
إن محيط القرية هو ما يشكل شخصية الفلاح، فالقرية في شبه عزلة عما هو خارجها والفلاح محكوم بتقاليدها وعاداتها، فهي تمثل وطنه الحقيقي. تتميز القرية بكثرة السكان نتيجة اتحاد وِجهة الفلاح حيث يبحث عن الأرض الخصبة والمحل الآمن، وعندما يجدها يأتي إليها جمعٌ كبيرٌ من أمثاله، والقرية بمنزلة أسرة كبيرة تعيش في تناغم وتعاون، فالرجال يعملون في الحقل معًا، والنساء يذهبن في جماعات لغسل الأواني والأطفال يلعبون معًا، والقرى في جميع أنحاء مصر مشابهة لبعضها إلا أن بعض القرى قد تزدهر قليلًا فتصير مدينة صغيرة تحتوي بعض الأسواق التجارية والمنشآت الأخرى كالمركز والمحكمة.
ومساكن أهل القرية تبنى من الطين والسعف وجريد النخل، فالطين يتكون من عجن طمي النهر بالتبن وتبنى به الحوائط، وجريد النخل والسعف تبنى بها السقوف، والمسكن من الداخل يتكون من ثلاث غرف في العادة، فالغرفة الأولى هي المندرة وهي غرفة تصلح للجلوس واستضافة الآخرين كما تصلح كذلك للنوم، والغرفة الثانية هي حجرة النوم والطهي حيث تحتوي على موضع ينام فيه الفلاح وأهله، وفرن في جانب الغرفة لطهي الطعام، ولأن الفلاح يحرص على أن تنام معه مواشيه خوفًا من السرقة فيخصص الحجرة الثالثة للمواشي.
والقرية لا تحتوي مساكن الأهالي فقط بل تحتوي بعض المعالم الأخرى، فهناك الشونة وهي مخزن الغلال ومستودع المحاصيل، وهناك المضيفة التي يستضاف بها المسافرون والموظفون المنتقلون للقرية، وهناك الجرن وهو فضاء تشترك الأسر في الانتفاع به وتوضع فيه المحاصيل بعد الحصاد كما تقام فيه الاحتفالات، كذلك هناك مدرسة القرية والسوق.
كذلك القرية لا تحتوي على العامل المزارع فقط، فهناك من يعملون في مهنٍ أخرى، كحلاق القرية الذي يقوم بالحلاقة وخلع الأسنان والختان، وهناك البقال الذي يعمل بائعًا للسلع وصيدليًّا وصاحب مقهى وصاحب مصرف يعطي القروض، وهناك الساحر الذي يقوم بإبطال السحر والحياطة من الحسد، وهو يستولي على عقول الفلاحين ويستغلهم خصوصًا النساء ولا تخلو منه قرية من القرى.
والقرية لا تخلو من مناسبات هامة وأحداث خاصة، فيبدأ أحد أهالي القرية ممن يتميزون بحسن الصوت بمدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم يتبع ذلك بسرد بطولة أبي زيد الهلالي ورفاقه، كذلك يجتمع الفلاحون يومًا في الأسبوع في السوق، الذي تباع فيه معظم احتياجات الفلاح من السلع والأقمشة والحبوب والبهائم ويأخذ زوجته معه لتبيع الزبد والجبن.
الفكرة من كتاب الفلاحون
يعتبر الفلاح عاملًا مهمًّا في حفظ التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ففي وقتٍ من الأوقات كان الفلاحون يمثلون ثلاثة أرباع عدد سكان المجتمع المصري، وكان مجتمع الفلاحين هو مصدر الإنتاج الذي يقوم عليه اقتصاد الدولة. وبرغم ما تتسم به حياة الفلاح من المعاناة والفقر والجهل، فإنها لم تحظَ بالاهتمام الكافي على مر العصور، والفلاح يستحق أن تكون حياته موضع درس وتحليل للتعرف على جزء لا يتجزأ من كيان المجتمع المصري.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة للتعرف على حياة الفلاح عن طريق الحديث حول طبيعة عمله، وكيفية قيامه به ومحل سكناه وعاداته وصفاته إلى غير ذلك من الجوانب المهمة التي تميز حياة الفلاح المصري عن غيره من فئات المجتمع الأخرى.
مؤلف كتاب الفلاحون
هنري حبيب عيروط: ولد بالقاهرة سنة 1907م، درس بمدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين بالفجالة، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة علم الاجتماع وحصل على الدكتوراه وكانت في موضوع دراسة أخلاق الفلاح وعاداته، أسس جمعية المدارس المجانية في قرى الصعيد التي وصل عدد المدارس التي تديرها إلى 100 مدرسة، نشر هذا الكتاب أول مرة عام 1938م في باريس باللغة الفرنسية تحت عنوان “أخلاق الفلاح وعاداته” ثم طُبع مرة أخرى في طبعته الجديدة تحت عنوان “الفلاحون”.
معلومات عن المترجم:
محيي الدين اللبان.
وليم داود مرقص.