مجتمع الاقتناء والاستهلاك
مجتمع الاقتناء والاستهلاك
إن سمة من سمات المجتمع الذي نعيش فيه وركيزة من ركائز وجوده هو “الاقتناء” إلى جانب “الاستهلاك”، فهذا المجتمع لا يعترف إلا بحقوق الاقتناء والتملك وتحقيق الأرباح، فكل من يستطيع أن يمتلك أكثر ويحقق مزيدًا من الأرباح هو فقط من يجب احترامه وتقديره، بل وأكثر من ذلك، حيث لا تتوقَّف متعة هذا الإنسان في تلك المجتمعات عند امتلاك الأشياء المادية وحسب، بل تصل إلى حد امتلاك الأشخاص، فتلك تعد هي المتعة الأكبر والأعظم، حيث تشمل دائرة الملْكية -كما يرى فروم- الأصدقاء والعشاق وحتى ذات الشخص نفسه، فالذات تعد أهم موضوع لإحساس هذا الإنسان بالملكية لأنها تشمل: جسدنا، واسمنا، ومكانتنا الاجتماعية، ومعارفنا، والصورة التي نملكها عن أنفسنا وتلك التي نرغب في أن يراها الآخرون عنا، فالاهتمام راجع إلى الإحساس بأن الذات شيء محل ملكية ويملكه كلٌّ منا، كون الملكية تعبِّر عن هويتنا!
وإلى جانب الاقتناء نجد ظاهرة “الاستهلاك” المستمرة تحت شعار “ما أجمل الجديد”، فبعد أن كانت الأشياء تُشترى ويتم الحفاظ عليها واستهلاكها إلى آخر حدود الاستخدام، أصبحنا نشهد استهلاكًا من أجل الاستهلاك، فالأشياء تُشترى لكي ترمى قبل استخدامها، فالملابس والآلات كالموبايل والسيارة سرعان ما يملُّ منها الشخص بمجرد أن يشتريها، ويصبح شغوفًا وتواقًا للتخلص من الإصدار القديم ليشتري الموديل الجديد، فتصبح دائرة الاستهلاك شراء المنتج ثم امتلاكه فترة قصيرة واستهلاكه استهلاكًا عابرًا ثم التخلص منه أو بيعه، وهكذا دواليك.
الفكرة من كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
المجتمع عند فروم يتصارعه نمطان للعيش في هذه الحياة، نمط يقوم على “التملك” حيث الاستهلاك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ وامتلاك الأشياء، وكذلك الرغبة في الشهرة والسلطة التي تحقق السيطرة على الآخرين، هذا النمط الذي يجعل الإنسان (ناقص الإنسانية)، ونمط آخر هو نمط “الكينونة” والوجود حيث اهتمام الإنسان بعلاقته مع البشر والارتقاء أخلاقيًّا وروحيًّا لتحقيق (كمال الإنسانية)، ومجتمعاتنا المعاصرة يهيمن عليها نمط التملك، ما يعني أن هناك كارثة تحيق بالإنسان تدفعه نحو الهاوية نفسيًّا وبيئيًّا، وأن البديل الوحيد لتجنُّب الكارثة وعدم السقوط في الهاوية هو العيش وفق “نمط الكينونة”.
مؤلف كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
إريك فروم ، هو عالم نفس وفيلسوف وناقد اجتماعي ألماني، تعلم في جامعتي هيدلبرج وميونيخ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هيدلبرج عام 1922 في علم النفس، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واشتغل في التدريس في الولايات المتحدة والمكسيك، له عدة مؤلفات، منها: “الإنسان بين الجوهر والمظهر”، و”الخوف من الحرية”، و”كينونة الإنسان”.