متطوِّعون على الجبهة
متطوِّعون على الجبهة
في إحدى أمسيات سبتمبر عام ألفٍ وتسعمائة وتسعة وستين، توقفت إحدى العربات المخصصة لنقل الجنود لتفرغ حمولتها من طلبة الجامعات المتطوعين لخدمة الجبهة، والتفَّ حولهم الجنود وقالوا إن الشعب ما زال يتذكرنا، إذ كانوا يعتقدون أن زيارتهم ستقتصر على الكلام مع الجنود فقط وتأفُّف بعضهم من الطعام، وما كان من الجنود إلا إقناعهم أن عملهم الرئيس إعداد المخابئ وتحصين المنطقة وأنهم بالعمل يستطيعون جعل الجبهة كما يريدون.
لا ينبغي أن يكون الكلام هو ثروتنا، بل العمل، فرصاصات العدو هي أبلغ درس يعلمنا كيف نكيل له الضربات؟ وهذا أهم من أي ثرثرة؛ سأل الطلاب الجنود عن مهنهم قبل التجنيد؛ فقالوا: طالب، سائق أجرة، عامل خراطة، مزارع. لا يمكنك التفرقة بين الطالب والمزارع هنا، فالكل يعمل لأجل وطنه، وحين يعلو صوت الرصاص ينخفض صوت الأنا.
هؤلاء الطلبة كانوا من جامعات مصرية مختلفة، ذهب من جامعة الأزهر فقط 500 طالب، من أصل 1500 تقدموا للخدمة، وتخلَّصوا من البقية عن طريق الكشف الطبي، فالكل يريد المساعدة، ومنذ اللحظة الأولى اندمجوا مع المقاتلين فحمل كل طالب فأسًا ومجرفة وشرع في العمل حتى يتصبَّب منه العرق ويبلغ منه الجهد كل مبلغ، وكلما طلب منهم جندي أن يرتاحوا ردوا بأن راحتهم في وضع أكبر كمية من الرمال على ملاجئ الجنود لتحميهم من شظايا العدو.
تحت لهيب الشمس المحرقة تجد طلبة الهندسة والطب والعلوم يحملون الفؤوس، ويقسمون أنفسهم إلى مجموعات لحفر الملاجئ أو تعميق الخنادق أو مساعدة الجنود في تمويه المنطقة أو توزيع الغذاء على الجنود أو حمل الخشب والمواد الغذائية للمطبخ، وفي الليل وداخل الملاجئ المحفورة يجلس الطلبة والجنود يتحدثون عن مشاعر الشعب وثقتهم بجنوده، وكانت هذه الزيارة كفيلة برفع روح الجنود المعنوية وإرسال رسائل إليهم مفادها أن الشعب معهم.
الفكرة من كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
على ضفة قناة السويس دارت رحى الحرب بين مصر وإسرائيل فيما يعرف بحرب الاستنزاف، أو حرب الألف يوم، وحدث العديد من المناوشات بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى بعض المعارك الصغيرة أو التسلل إلى الضفة المقابلة وإيقاع خسائر في الجيش المقابل، وقد كانت المدافع المصرية منصوبة في وجه المدافع الإسرائيلية في قطاع شرق الإسماعيلية حيث كانت كتيبة المؤلف؛ فيروي لنا أحداث ما رآه من هذه الحرب، وأحداث رفاقه وأحلامهم وطموحاتهم وحماسهم وبسالتهم وأيضًا خوفهم، وقد كتبها بدافع من يريد إظهار بطولات الجنود البسطاء المنسيين على الحدود حتى تشعر أنك ترى الحرب وأحداثها ماثلة أمامك لا كاتب ينقلها لك ويتأثر بانفعالاته وانحيازاته؛ إنها بحق عمل جليل.
مؤلف كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
أحمد حجي: كاتب، ولد عام 1941 بقرية ميت جراح بمحافظة الدقهلية، وتخرَّج في كلية الطب البيطري عام 1967، وبدأ نشاطه الاجتماعي في أواخر الخمسينيات، ففتح مدرسة لمحو أمية الفلاحين والعمال والنساء في قريته بالدلتا، وجُنِّد بالقوات المسلحة عام 1968 في مكان آمن بالقاهرة، لكنه طلب بنفسه الذهاب إلى الجبهة حيث تولى الشؤون الطبية في الكتيبة التي خدم بها على جبهة القناة حتى استشهاده عام 1972.
له مقالات في الثقافة والفن ومحو الأمية، نُشر أغلبها في مجلة “الطليعة”، وصدرت له عدة كتب، منها: “الكلمات والبارود”، و”الفلاحون والعمل السياسي”، و”محو الأمية عمل لا بد منه”، ومنعت الرقابة صدور كتابه “مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس” عام 1972، ثم ها هو بين أيدينا الآن.