ما يدور بالدَّاخِل
ما يدور بالدَّاخِل
إن الطفل القَلِق الذي لا يستطيع الإفصاح عما بداخله، هو نتاج طبيعي لعدم التفهُّم من الوالدين، لذا يأتي التفهُّم في المرتبة الثانية من عناصر الحضور في حياة الطفل، وهو نتيجة ووسيلة لتحقيق العنصر الأول من عناصر التفهُّم، أي الاحترام، والتفهُّم يقوم على ثلاثة عوامِل رئيسة؛ أولًا: إيصال رسالة وجدانية للطفل بأن والديهم يشعرون بما يشعرون به، وثانيًا: الفهم الحقيقي لما يدور في أذهانهم، وثالثًا: التصرف المناسب في الوقت المناسب، وتتمثَّل هذه العوامل في مثلَّث التواصل ذي الأركان الثلاثة: (الفهم – الإدراك – الاستجابة)، والذي يساعد الطفل على الشعور بالتفهُّم، وأحيانًا يواجه الوالدان مشكلة في تحديد حقيقة ما يشعر به الطفل فعلًا حتى يصلوا إلى تفهُّم لحالته، وفي هذه المواقف يكفي الصدق في محاولة الوصول إلى الهدف، ولا بأس في بعض القصور الذي يتم تداركه بإدارة الحِوار والصبر والسعي إلى التفهُّم، فالصدق مفتاح التواصل، ومُنطلق التفهُّم يكون الداعم الرئيس للعلاقات الاجتماعية كلها،
لا تلك التي تقتصر فقط على علاقة الطفل بأبويه أو العكس، فهي محاولة الإحساس بالآخرين، وخوض التجربة الذهنية التي تتعلق بتخيُّل أنفسنا في موضع الطرف الآخر من حوادِث ومشاعر، ومما يعوق السعي إلى التفهُّم الأحكام المُسبقة والمُطلقة على شخصية الطفل، فأغلب المواقف تحتاج حُكمًا مُنفصلًا خاصًّا بها، ففي حالة حصر الطفل في بعض المُسميات يُمنع الوالدان من الوصول إلى مرحلة التفهُّم الحقيقي لما في نفس الطفل، وفي النهاية لا يصلون إلى الغاية من التفهُّم، وهي “الشعور أن الوالدين يشعران به”، والطفل الذي يكبر فاقدًا لوجود من يفهمه، ينتهي به المطاف بفقدانه القدرة على فهم نفسه والشعور بها، وهناك مؤثر يؤثر في الآباء في رحلة السعي إلى التفهُّم، وهو وضع الطباع الفطرية للطفل واختلافها من طفل إلى آخر في الاعتبار، لذا على المربي التحلِّي بالذكاء فيما يخصُّ هذا الأمر، فهذا يُساعد كثيرًا على أن يتصرَّف طفلك كما هو بطباعه الخاصَّة
يمكن تتبع هذه الاستراتيجيات لمساعدة الطفل على الشعور بالتفهُّم؛ أولًا: كُن فضوليًّا، وراقب تصرفاته اليومية حتى تتخلَّص من الأحكام المُسبقة، ثانيًا: خصِّص مساحة ووقتًا للملاحظة للتعلُّم على مدار اليوم.
الفكرة من كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
إن شعور الطفل بوجود شخصٍ على الأقل في حياتهِ لأجلِه، عبارة من منبع من بواعث الأمان في نفسِه، هذا الاحتياج الشديد إلى الوجود في الطفولة إذا لم يُشبَع سيؤثِّر بشكلٍ عميق جدًّا وسلبي في حياة ذلك البالغ الذي لم يشبع من الأمان في طفولته، وهذا الوجود لا يتطلَّب صورة أبويَّة من المثاليَّة على الإطلاق، إنما يحتاجُ الصدق في السعي لا أكثر، ويدور فلك هذا الكتاب عن كيفية تحقيق الوجود المتمثل في عناصره الأربعة: الحماية، والتفهُّم، والتهدئة، والأمان، فعندما تتوافر هذه العناصر يمكن بكل سلاسة إصلاح العطب، وترميم الصدع الناتج عن الأخطاء البشرية التي لا فرار منها في عملية التربية، والحياة بأسرها، ولا يعتمد الوجود على الأثر المعنوي فقط من ثقة ومحبة وأمان، وإنما يمتد إلى الآثار الفسيولوجية الناتجة عن النمو المتكامل للمخ، وأيضًا مرونة الجهاز العصبي في جسم الطفل، والنفع الناتج عن هذا الارتباط الآمن إنما هو نفعٌ متعدٍّ للطفل وللوالدين على حدٍّ سواء.
مؤلف كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
دانيال جيه. سيجل: طبيب وعالم نفس، وُلِد في الثاني من سبتمبر عام 1957م بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على دكتوراه في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا، ويعمل مُحاضرًا في نفس الجامعة التي تخرج فيها.
تينا باين برايسون: مُعالِجة نفسية ومؤسسة لمعهد play strong الذي يدعم فلسفة المُعالجة النفسية باللعب، تخرَّجت في جامعة بايلور، وحصلت على الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا.
اشتركا أيضًا في تأليف كتاب “طفل المخ الكامِل”.