ما يحول دون التدبُّر
ما يحول دون التدبُّر
هناك من الصوارف تحول بين العبد وبين التدبُّر، ومن تلك الصوارف وأهمها: أمراض القلوب والإصرار على الذنوب، فأعظم المعاصي التي تصدُّ القلب عن تدبر القرآن التعلُّق بشهوات الدنيا؛ يقول تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَق﴾. ومن صوارف التدبُّر انشغال القلب وشرود الذهن، ومن أكثر الشواغل التي تكون حين التلاوة أن يكون هم القارئ إتمام السورة دون أن يكون همه الفهم والاتعاظ بالآيات، ولهذا يقول الحسن البصري (رحمه الله): “يا بن آدم، كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة؟”.
ومما يحول دون التدبُّر: قصر الخشوع على أحوال أو آيات معينة، كمن يقصر الخشوع في رمضان أو في القنوت أو عند آيات العذاب وأهوال القيامة، أو عند مرضه أو العزاء، ومعلوم أن أسباب الخشوع عند التلاوة كثيرة يذكرها ابن القيِّم (رحمه الله)، ومنها: أن يلوح للعبد كمال صفات خالقه، ويرى الطريق مسدودًا عنه؛ فيحدث له شهقة أسفٍ وحسرة، أو يكون قد انشغل عن ربِّه فيذكِّره القرآن فيلوح له جماله ويرى بابه مفتوحًا، والطريق ظاهرًا، فيحدث له شهقة فرح وسرور.
وقد يترك البعض التدبُّر تورُّعًا عن القول في كلام الله بغير علم، وهذا من مكايد الشيطان لابن آدم ليصرفه عن الهدى والنور، فهذا كتاب الله أنزله للناس ابتداءً ليهتدوا به، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾.
وقد يعتقد البعض أن معاني القرآن مقتصرة على من مضى، أو أحوال خاصة وقد انتهت، فيهجرون هديه في شؤون حياتهم، كالاقتصاد والإعلام والتعليم، فالنص القرآني معدٌّ للعمل به في كل وسط وفي كل تاريخ، معدٌّ للعمل في النفس البشرية إطلاقًا، بنفس القوة التي عمل بها الصحابة، فهذا نظر مقتصر ولا يتوقَّف هذا النظر فقط في دخولهم على القرآن، بل في تفهُّمهم للآيات وتفسير مقاصدها، فيخصِّصون العام ويقيِّدون المطلق، ويضعون الآيات في غير موضعها.
الفكرة من كتاب تدبُّر القرآن
حين نتأمَّل في وقع القرآن الكريم على الصحابة (رضوان الله عليهم)، ومُراقبة أحوالهم، وكيف كانوا قبل القُرآن وكيف صاروا بعده، نجد أن للقُرآن سطوة عجيبة! ووقعًا مُختلفًا، فما الفارق بين القرآن الذي نزل فيهم والقرآن الذي بين أيدينا؟ لا فارق.. وإنما هو فارق التلقِّي والتعامل مع القرآن، يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فلم يكن تدبُّر القرآن عند سلفنا الصالح درسًا يُسمع أو كتابًا يُقرأ بقدر ما كان شعورًا ينبض في قلب القارئ وهو يتجه إلى القرآن!
في هذا الكتاب يُجدِّد لنا الكاتب معارف وأحوالًا تجعل القلب يظفر بحياة جديدة مع القُرآن، وسبيل تدبُّره، ليكون قُرَّة العين، وحياة القلب.
مؤلف كتاب تدبُّر القرآن
سلمان بن عمر السنيدي: كاتب ومفكر إسلامي، سعودي الجنسية، قدم العديد من محاضرات التزكية والتعليمية، وله عدد من المؤلفات المُتعلقة بالقرآن الكريم وتدبُّره، منها: “من أجل تدبر القرآن”، و”واقع تدبر القرآن في مدارس التحفيظ”، وكذلك مؤلفات أُخرى ككتاب “التنوُّع المشروع في صفة الصلاة”.