ما وراء القهر.. العوامل الاقتصادية والسياسية
ما وراء القهر.. العوامل الاقتصادية والسياسية
على الرغم من تمحور فكرة الكتاب الرئيسة على مفهوم ذي صفة ثقافية، وهو مفهوم القهر، فلا يمكن تفسيره أو فهمه بمعزل عن سياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حتى لا يتم التفسير بمنهج معيب قائم على تعصُّب عرقي أو نزعة استشراق تعتمد على المفهوم البسيط لعلاقات السببية أو السبب والنتيجة، وإنما في ضوء الطابع الجدلي الأساسي للعلاقة بين الشخصية والثقافة والسياق الاجتماعي التاريخي الذي ينتج عنه عمليات تفاعل مستمرة بينها، وحيث إن تلك العوامل تستطيع أن تبرز بشكل غير واعٍ خصائص فهم الشخصية المصرية بوصفها ظاهرة تاريخية تشكَّلت في ظل ظروف معينة، كما أنه يستحيل علينا في هذا الضوء أن نفهم الشخصية المصرية بوصفها نتاجًا لأي حتمية جغرافية مع الاعتراف بالدور المحتمل الذي تلعبه هذه العوامل في بعض الحقب والمراحل، وعلى ضوء ذلك فإننا كتصوُّر أوَّلي نفهم الشخصية المصرية بوصفها محصلة جدلية وتفاعلية أيضًا لتفاعل وتداخل وتمفصل أصعدة ثلاثة للتكوين الاجتماعي، وهي: الصعيد الاجتماعي الاقتصادي، والصعيد السياسي، وأخيرًا الصعيد الثقافي والفكري الأيديولوجي.
ولذلك كله جرت محاولات عديدة لفهم وتحليل البنية الاجتماعية والاقتصادية في العالم الثالث بصفة عامة والتي انطلقت جميعًا من محاولة تشخيص الأساليب الإنتاجية بوصفها العامل الرئيس لفهم البنية الاجتماعية، وكانت من نتائج تلك المحاولات استنتاج وجود لا تجانس بنائي ليس على الصعيد الاقتصادي فقط، بل على الصعيد الاجتماعي أيضًا حيث وجد شكل من أشكال التنوُّع بين الطبقات الاجتماعية، هذا التنوُّع هو انعكاس طبيعي لتعدُّد قطاعات الإنتاج وتنوُّعها، ما أدى إلى تعقُّد التركيب الطبقي مضافًا إليه تأثير الفروق القبلية والعشائرية والعائلية والعرقية والدينية، وهي عوامل ذات أهمية بالغة في الحياة الاجتماعية والسياسية في العالم الثالث.
وساعدت فكرة فرض النظم الرأسمالية على دول العالم الثالث من قبل الدول المتطورة على هذا التعقد في التركيب، حيث أرادت الدولة تغيير النظام القائم بالبلاد إلا أن الواقع قد أوضح لنا أن تلك المحاولة لم تؤدِّ إلا إلى تغيير شكل الدولة وتنظيمها دون وجود تغيير جوهري بوظائف الدولة الأساسية ولا نمط علاقتها بالمجتمع، وظلَّت الوظائف قبل الرأسمالية للدولة قائمة بشكل جديد أدَّى إلى تظاهر الدولة بأداء الوظائف الجديدة وتظاهر المواطنين كذلك بأداء وظائفهم الجديدة وبخاصةٍ مع فكرة القهر التي تفرضها عليهم الدولة بالنظام الجديد، ما يؤدِّي إلى اتخاذ الشخصية المصرية للآليَّات الدفاعية من ضمنها التكيُّف والمقاومة، وسنتحدث عنهما لاحقًا.
الفكرة من كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
استنادًا إلى مفاهيم ذات بعد ماركسي، يحاول أستاذ علم الاجتماع عرض أحوال الشخصية المصرية بشكل عام وثقافيًّا بشكل خاص، معتمدًا على فكرة محورية لتفسير صفات المصري القديم حتى الشخصية المصرية الحالية، وهي كونها رد فعل تلقائيًّا لعمليات القهر الممنهجة ضده منذ قديم الأزل مع وصف الآليات الدفاعية المختلفة التي ينتهجها ضد أشكال القهر وما يترتب على تلك الآليات من سلوكيات إيجابية أو سلبية تلتصق بالشخصية المصرية ليست ناتجة عن حتميات طبيعية.
مؤلف كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
الدكتور محمود عودة: أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ونائب رئيس جامعة عين شمس ورئيس لجنة قطاع الآداب بالمجلس الأعلى للجامعات.
ومن مؤلفاته:
تاريخ علم الاجتماع.
أسس علم الاجتماع.
الصين الشعبية.