ما لم يخبرني به أبي
ما لم يخبرني به أبي
الحياة تختلف تمامًا عن العالم المثالي الذي يرسمه لنا آباؤنا، يرسمون لنا أن الضمير هو أهم قاعدة في الحياة ومن دونه لن تستطيع أن ترفع رأسك، وحين نصطدم بالواقع نجد أن الضمير سيؤرِّقنا ليلًا من كلمة حق لا نستطيع قولها، ومن خوف أن ينقطع رزقنا أو نُؤذَى نحن وأولادنا، الضمير مكلِّف جدًّا وليس مثل الذي تربَّينا عليه.
تربَّينا على أن الكذب ينتقص من الإيمان والرجولة، وصُدِمنا أن الكذَّابين هم من يدفعون الناس لسماع أحاديثهم، وهم المرموقون وأنك لترتفع مكانتك يجب أن تكذب وإن قلت الصدق تصبح في نظر الناس منبوذًا، تعلَّمنا ألا نكون انتهازيين، وأن نتحلَّى بالفضيلة حتى ضاعت منا كل الفرص، وأكبر صدمة هي المضحكة، حيث تعلَّمنا أن من الأجر على قدر المشقَّة والاجتهاد، ثم تفاجئنا أنه لا يهم مقدار ما تبذل من مجهود، فكل تسهيلات الحياة أو صعوباتها تأخذها بالميراث من أهلك، فإن كانوا ذوي سلطة نعمت في الحياة، وإن كانوا متواضعين مجدِّين فقد خذلوك.
تعلمنا أن ملجأنا الوحيد في الشدائد هو الله، لكننا تفاجأنا ببعض الناس يطوِّعون الدين لما يناسبهم فيقتلون باسمه ويسرقون وينافقون، جيلنا الحالي يعاني الضياع والانهزام وقلة الأمل في الوضع الحالي.
أما عن الواقع الحقيقي فحتى تنجو وتنجح دعك من المنطق والحجَّة، كل ما عليك هو شراء ثوب ثمين، وشهادة ثمينة، وبعدها قد ملكت الناس، وتستطيع أن تخطب لهم في أي مكان، وإن اهتزَّت خطواتك فقدِّم لهم قضية ما تمسُّ معتقداتهم كأن تخبرهم بأن هناك من يسبُّ أنبياءهم أو من يخون وطنهم، أو تراه يخرج ليخبر الناس بأنه اكتشف علاجًا للسكر والضغط والإيدز والضعف الجنسي وهو كاذب، لكنه يعلم أن طريق النصب سهلًا! أو يظهر أحدهم ليضرب بكل العلم في الكليات الطبية عرض الحائط، ويخبرك أن علاج كل الأمراض هو في بعض الوصفات التي يحضرها في صيدلياته!
فإذا دعمت هؤلاء، بل وكنت واحدًا منهم فقد فزت فوزًا عظيمًا، وإن تمسَّكت بفضائلك فقد تخسر وقتك في السعي وتخرج صفر اليدين، وللأسف هذا ما تعلِّمنا الحياة.
الفكرة من كتاب أنبياء كذبة
يبدأ الإيمان بـ”لا إله إلا الله” وهي دعوى إنكار الألوهية ورفضها لأي إله سوى الله، أي أن الإيمان بالله يبدأ بالكفر بما سواه، وهو ما أدركه كريم الشاذلي بعد رحلة طويلة من الأمل ودعوة الناس للحلم؛ لكن عندما ظهرت نهاية الحلم وكانت فاسدة ومخيِّبة للآمال، اتُّهم الشاذلي بأن دعوته للتفاؤل كانت مضللة للناس، وبعد تفكير اكتشف خطأه وأقرَّ به، ومن هنا أدرك أنه لنبني واقعًا جميلًا يجب أن نهدم الأساس الفاسد، ولنؤمن بشيء تمام الإيمان يجب أن نكفر بما يعاكسه، إذن الكتاب دعوة للتحريض على رفض أخطاء سلبيات الواقع، فكما أن الخير له دعاة وأنبياء، الفساد أيضًا له رهبان وأنبياء يعرفون ثغرات النفوس ويغرسون الأفكار السلبية والفاسدة ويعطِّلون قدرتك على الانتقاد والرفض ويغلِّفون كل هذا برداء الدين، فقبل الحديث عن أي بداية أو خطوة جديدة، أو أمل وتفاؤل يجب علينا مواجهة أسباب فشلنا وضعفنا، ورفض من سرق منا الحلم وصمَّم على توريثنا الذل نحن ومن يأتي بعدنا وجعلنا جيلًا مسخًا.
مؤلف كتاب أنبياء كذبة
كريم الشاذلي: كاتب وإعلامي وباحث ومحاضر في مجال العلوم الإنسانية وتطوير الشخصية، استطاع في مدة قياسية أن يصل إلى أكثر من نصف مليون قارئ عربي من خلال 15 كتابًا مطبوعًا، وقد تُرجِمَت كتبه إلى العديد من اللغات، وقد تقلَّد منصب مدير عام دار أجيال للنشر والتوزيع، وأعطى محاضرات في جميع جامعات مصر، وحلَّ ضيفًا على كثير من البرامج التلفزيونية في الدول العربية.
من أبرز مؤلفاته: “امرأة من طراز خاص”، و”الإجابة الحب”، و”اصنع لنفسك ماركة”، و”جرعات من الحب”، و”أفكار صغيرة لحياة كبيرة”، و”إلى حبيبين”.