ما قبل الدعوة
ما قبل الدعوة
في مشهد موتِّر يزيد من ضربات قلب الجميع، يقف محمد بن عبد الله على جبل الصفا مناديًا الناس ليسألهم عن مدى صدقه وأمانته، وليقرُّوا هم أنه الصادق الأمين، وأنهم ما علموا عنه إلا خيرًا، محمد الذي لم يملك أبدًا رغبة الظهور وكان معروفًا بالاتزان والحكمة وقلة الكلام، يخبر الناس الآن أنه نبي وأن عليهم أن يتبعوه، والكل يستبعد أن يكون مسَّه الجنون، فما عرفوا عنه غير الحق، ينتشر الخبر حتى بين من تنصَّروا بدين عيسى، وبين الأحناف وبين عبدة الأصنام، أصبح محمد حديث الكل، هل الأمر وليد اللحظة؟ أم أنه سابق التخطيط؟ هل له أتباع وموافقون؟ أسئلة كثيرة شغلت الجميع في هذه الليلة..
إذا كان هذا الشخص معروفًا بالصدق والأمانة فلماذا لا يتبعه قومه؟ هكذا سأل “مسور بن مخرمة” خاله الحكم بن هشام، الذي كان خوفه كله من أن تتغير قوانين القوى في المنطقة بعد نزاع طويل انتهى بتقسيم الغنائم عليهم، رغم وجود فئة كبيرة من الحائرين الهائمين على وجوههم الذين كانوا يدركون أن الأصنام لا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، وأنهم كانوا يهيمون بحثًا عن وجه الحق لكنهم لا يعرفون الطريق، فالجميع الآن حائر.
رغم أن هذه القبائل كلها كانت معروفة بالكثير من الصفات المحمودة كالمروءة ورعاية الجوار والصبر والشجاعة، فقد كانوا مشهورين أيضًا بالمقامرة والخمر ووأد البنات، والحروب بشكل يومي، والظلم وإهدار حقوق الضعفاء والمساكين، فكان هؤلاء القوم بحاجة إلى صحوة، كانوا بحاجة إلى تغيير،
لكن صاحب التغيير قد مضى وحيدًا، فعمُّه “عبد العزى” الذي عرف فيما بعد بـ”أبي لهب” كان من أشد معارضيه، وحتى عماه حمزة والعباس كان موقفهما محايدًا، أما أبو طالب فقد حذَّره القوم كثيرًا، ولكنه صمَّم على حماية النبي الذي لطالما أحبه كابنٍ له.
لم يؤمن بالنبي في هذا الوقت سوى المقربين من بيته، زوجته وصديقه “عتيق” الذي سمي فيما بعد “أبا بكر” وابن عمه، وبعدها عدد قليل من الناس، لكن الجميل أنهم لم يدخلوا لأجل معجزة أو شيء خارق ولكن لمنطقيتها فقط.
الفكرة من كتاب الأعظم.. قصة النبي محمد (ﷺ)
لو أن شخصًا ما ظهر في عصرنا الحالي يدعونا لنترك دين آبائنا وأجدادنا ونتبع ما يخبرنا به لما صدقناه ولاتهمناه بالجنون! تخيَّل معي أنك ولدت في الجزيرة العربية، وكانت العبادة السائدة وقتها هي عبادة الأصنام، التي كانت دين آبائك وأجدادك، ودينك بالوراثة، وفجأة ظهر شخص يدعو الناس إلى دين آخر، يخبرهم أن الأصنام التي يعبدونها لا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، وأن هناك إلهًا واحدًا، هو الخالق وليس الآلهة التي تصنعونها، وأن هناك دار الحساب بعد الموت؛ هناك حياة أخرى!
هل لو كنت موجودًا حينها ستترك دين آبائك وأجدادك؟ هل ستفكر حتى أنك على خطأ؟ الوصول إلى الحقيقة ليس بهذه السهولة التي نتخيَّلها الآن، الأمر يحتاج إلى تفكير.. يحتاج إلى شك.. يحتاج إلى قائد عظيم ومربٍّ فاضل، كيف تكون الشخصية التي استطاعت أن تقلب موازين العالم؟ هذا ما سنتحدَّث عنه في هذا الكتاب، حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن في جانب واحد من جوانبها، جانب القيادة والكفاح.
مؤلف كتاب الأعظم.. قصة النبي محمد (ﷺ)
كريم الشاذلي: كاتب وإعلامي وباحث ومحاضر في مجال العلوم الإنسانية وتطوير الشخصية، استطاع في مدة قياسية أن يصل إلى أكثر من نصف مليون قارئ عربي من خلال 15 كتابًا مطبوعًا، وقد تُرجِمَت كتبه إلى العديد من اللغات، وقد تقلَّد منصب مدير عام دار “أجيال” للنشر والتوزيع، وأعطى محاضرات في جميع جامعات مصر، وحلَّ ضيفًا على كثير من البرامج التلفزيونية في الدول العربية.
من أبرز مؤلفاته: “امرأة من طراز خاص”، و”الإجابة الحب”، و”اصنع لنفسك ماركة”، و”جرعات من الحب”، و”أفكار صغيرة لحياة كبيرة”، و”إلى حبيبين”.