ما قبل الأحداث
ما قبل الأحداث
كثير من المؤرخين حين كتبوا عن صلاح الدين أظهروه وحده بصيغة تملؤها الحماسة، فهو المُحرر، وهو البطل، وغيرها من المصطلحات التي توهم أن الحل المطلوب لتحرير القُدس هو خروج بطل شجاع يجمع الصفوف ويعلن المعركة.
وخطورة هذا التصوُّر أنه يصرف الاهتمام عن حقيقة الأمراض التي تنخر في الأمَّة، كما أنه يشجِّع على العمل الفردي لا العمل الجماعي، فصلاح الدين لم يكن سوى نتيجة لمراحل كثيرة مر بها عدد من المُسلمين حتى يوفِّروا المناخ الطيِّب لتنشئة جيل كان من ثماره صلاح الدين، وهؤلاء هم من قاسوا مرارة الأحداث والمحاولات والتجارب، ثم عرفوا حلاوة الإصابة والتوفيق.
لذا كان من الضروري قبل البدء في خوض الأحداث أن نفهم معًا فلسفة التاريخ، وطبيعة التغيرات الزمنية، وأول الأمور هو معرفتنا أن كل مجتمع يتكوَّن من ثلاثة مكونات: الأفكار، والأشخاص، والأشياء، والمجتمعات السليمة هي التي يدور فيها الأشخاص والأشياء حول الأفكار، ومرض المجتمعات يكون حين تدور الأفكار والأشخاص حول الأشياء، أو تدور الأشياء والأفكار حول الأشخاص.
وثاني تلك الأمور التي يجب أن نُدركها هو أن السلوك الإنساني يعتمد على القصد والحركة، والقصد يعني الفكر والإرادة، والحركة تعني المُمارسات العملية، فالمجتمعات تكون لها أفكار تُحدِّد غاياتها، ثم تلي الأفكار الإرادة التي يُعقد العزم بها، وأخيرًا المُمارسات العملية، والتغيير يبدأ بأول الأشياء، أي الأفكار، ونحن نقرأ في القرآن: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، ولهذا لا بد من عنصري الإخلاص والصواب في التفكير لترسيخ غايات وأفكار صحيحة سليمة يتحرَّك الإنسان من أجلها، يكون على استعداد ببذل حياته من أجلها.
الفكرة من كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
حينما نتحدَّث عن تحرير القُدس تبدأ الأشجان في تذكُّر صلاح الدين، ويتساءل الناس دومًا: أين صلاح الدين الآن؟! والسؤال الحقيقي الذي لا بد أن نسأله لأنفسنا، هل الذي حرَّر القُدس كان صلاح الدين وحده؟ وهل ظهر صلاح الدين فجأة بين المُسلمين فقاموا معه؟ أم أن هُناك آلاف صلاح الدين قبل صلاح الدين نفسه؟ وهذه هي الحقيقة الكُبرى التي تغيب عنَّا! فلم يُحرِّر صلاح الدين القدس وحده، بل حرَّرها كثيرون قبله بعشرات السنين حين بدؤوا في تهيئة الجيل الذي ظهر فيه صلاح الدين، فحرَّروه فكريًّا ونفسيًّا وعقديًّا.. في كتابنا قدَّم لنا الكاتب أحداث ما خلف الستار التي من خلالها نعرف صلاح الدين مُحرِّر القُدس.
مؤلف كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
ماجد عرسان الكيلاني: مُفكِّر ومُؤرِّخ وتربوي أُردني، وُلِد عام 1932م، وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة الماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة الدكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل الدكتور ماجد الكيلاني على عديدٍ من الجوائز والتكريمات من دول العالم المُختلفة، منها: جائزة الفارابي العالمية للعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية، وتوفِّي في عام 2015 م، بعد أن قدَّم الأفكار الكبيرة والأعمال الضخمة التي تُصحِّح للأمة الإسلامية مسارها.
ومن مؤلفاته:
“فلسفة التربية الإسلامية”، و”الخطر الصهيوني على العالم الإسلامي”، و”رسالة المسجد”، و”صناعة القرار الأمريكي”.