ما سبَّبته الحرب نفسيًّا
ما سبَّبته الحرب نفسيًّا
في تلك الفترة من الحرب التي اقتربت من نهايتها بعد مباحثات السلام في بريت-فسك، أعرب الكاتب عن امتنانه للرُّوس لأنهم أول من قرر إنهاء الحرب والانسحاب منها، لكنه ظل قلقًا كذلك من حدوث مذبحة جماعية وشيكة في فرنسا، وفي ظل تلك الأحداث المتشابكة يتساءل هيرمان عن أولئك الذين يظنون أنه ليس بأيديهم شيءٌ ليفعلوه، وقد اعتبر أن كل تلك الحجج ما هي إلا ناتج كل عجزٍ وجبنٍ كامنٍ في كل شخص، ودافعٍ لإحداث خراب أكثر، إذ إن هذا الصمت هو سبب تحكّم قلّة من الاستغلاليين في كل تلك الجموع.
في أوائل عام 1918م وقعت حادثة غريبة، ففي سياق ما تقوم به الجهات المسؤولة كالتخلص من المواطنين الذين يثبت عدم صلاحيتهم للخدمة العامة، أثار فرد منعزل يدعى “فيليب غاسنر” من ساكني تلك المنطقة جدلًا، وكان ذلك الرجل كبير السن وعاطلًا عن العمل طالبته الجهات المسؤولة بتخفيف مخصصاته من المؤن، وأرسلت إليه رقيبًا يُدعى “كيله” الذي اندهش من غضب العجوز ورفضه تنفيذ ذلك القانون، فأعلن “كيله” على الفور أنه رهن الاعتقال، ليُفاجأ مُجددًا بالقوة الجسدية له، وهذا من غير المعهود في ذلك البلد الذي عانى الجوع في الحرب، فيقرر الرقيب أن يفتش منزله ولكنه يُفاجأ بما لم يتوقعه، إذ وجد شابًّا يافعًا كان العجوز يُخفيه منذ سنين طويلة، اتضح بعد ذلك أنه ابنه، ولم يُحيِّر الكاتب ولا المسؤولين عملية التهرُّب تلك، إنما حيرتهم حالة الشذوذ النفسي التي سبَّبت ذلك، إذ وجدوا أن ذلك الشاب لا يعرف أي شيء عن الحرب الدائرة، ولا عن الأحداث والثورات التي وقعت خلال السنوات العشر الأخيرة، لُيشبِّه الكاتب حالة ذلك الشاب بحالة الفيلسوف المعروف “كاسبر هاوزر”.
الفكرة من كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
يعدُّ الباحثون أن مُفكِّرًا بمكانة “هيرمان هيسه” عاصر أعظم حربين شهدهما العالم، وهو وأعماله بمثابة كنزٍ بشري، ولا نرى هنا مؤلفنا يتحدَّث عن أحداث الحرب، إنما يحلِّل حال بلادِه “ألمانيا” وحال أهلِه، ويأخذنا إلى خواطره ورسائله إلى وزيرٍ مسؤول وحتى إلى أصدقائه وأقاربه، فنرى أن عمله يُخاطب الرُّوح الإنسانية التي نشأت في جوٍّ من السياسة والحرب، متسائلًا: هل الحرب منبعها الأديان أم الناس؟ هل يجب على كل إنسان أن يحمل على عاتقه هدف تحسين العالم؟ أم يكفيه تحسين نفسه بكل ما هو إنساني؟ إن كانت الحرب تعمل على تفريق الشعب، فلماذا لا نلاحظ أن الثقافة تعمل على ترابطهم وانصهارهم؟
مؤلف كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
هيرمان هيسه Hermann Hesse: كاتب سويسري من أصل ألماني، عُرِف بكثرة خلافاته مع أسرته لتمسُّكها المفرط بالبروتستانتية، بعد إنهائه دراسته في مدرسة “آلان” في شتوتغارت اتجه إلى بعض الأعمال الشاقة كالعمل الميكانيكي في مصنع للساعات، ولكن اتجه بعدها إلى العمل في مكتبة في “توبنجن” التي كانت سببًا في ظهور موهبته ودخوله إلى المجال الأدبي، فبدأ بالشعر ثم اتجه إلى الروايات الفلسفية والتربوية، وحصل على جوائز كبرى كجائزة نوبل في الأدب وجائزة غوته عام 1946م.
من أهم كتبه ومؤلفاته: ذئب البوادي – رحلة إلى الشرق- رواية تحت الدولاب- لعبة الكريات الزجاجية.