ما بين العراق وروسيا
ما بين العراق وروسيا
ينتقل الدولار من الهند إلى العراق مقابل مليون برميل من النفط يوميًّا، وبرميل واحد من كل خمسة من هذه البراميل هو خام «البصرة» الثقيل، حسنًا كم دولارًا تدفعه الهند مقابل براميل النفط؟ في الواقع يُعد تحديد سعر النفط عملية صعبةً، فلا يوجد سعر موحد للنفط، وإنما كل درجة من النفط لها سعر معين حسب المنطقة المستخرج منها، وتتحكم في السعر عوامل مختلفة مثل عملية التداول والشراء والبيع ومقدار العرض والطلب والمضاربات التي تُسبب تقلبات كبيرة في السعر، وبسبب هذه التقلبات والعوامل الكثيرة المتغيرة بدأت الدول المنتجة للبترول تبحث عن طرائق أخرى أكثر ثباتًا للتحكم في الأسعار، وهنا ظهرت منظمة أوبك | OPEC التي تأسست في بغداد عام 1960، وتتألف من 12 بلدًا من البلدان المصدرة للنفط، وهدف هذه المنظمة تنسيق السياسات البترولية للدول الأعضاء وتوحيدها وضمان استقرار أسواق النفط.
وليس السعر هو الشيء الوحيد الذي يشغل الدول المنتجة للبترول، فالحقيقة أن البلدان التي لديها وفرة في بعض الموارد الطبيعية كالنفط تميل إلى تحقيق نمو اقتصادي أقل، كما تواجه مشكلات عدة تتعلق بعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، ومع مطاردة العالم كله للنفط تصبح هذه البلاد أكثر عرضة للصراع وهدفًا للغزو، ولعل هذا يفسر اهتمام أمريكا الزائد بالعراق، بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية التي جعلت من العراق صفيحًا ساخنًا تُنفِق دولاراتها على شراء الأسلحة لتأمين البلاد، فمن أين ستأتي بهذه الأسلحة؟
إنها روسيا، وجهة الدولار العراقي، ففي عام 2012 أنفق العراق 4,2 مليار دولار على استيراد الأسلحة من روسيا، والدولار العراقي ليس الوحيد الذي تجنيه روسيا من بيع الأسلحة، فروسيا تأتي في المرتبة الثانية بعد أمريكا في ما يتعلق ببيع الأسلحة، وفي ظل التوتر العالمي ازدهرت مبيعات الأسلحة الروسية واستحوذت روسيا على ربع السوق العالمية، ما يحقق لها قرابة ١٥ مليار دولار سنويًّا من الصادرات، لكن مع التركيز على صناعة الأسلحة قل الاهتمام بإنتاج الأشياء التي يحتاج إليها الناس، وحدث نقص في المنتجات الأساسية، وارتفعت الأسعار واضطُر الروس إلى إنفاق نصف دخلهم على الطعام وحده، ومع زيادة الاستيراد ومن ثم الطلب على الدولار قلت قيمة الروبل وتعرض الاقتصاد الروسي للانكماش، ولهذا فإن الأثرياء الروس الذين تقع في أيديهم دولارات العراق وغيره من الدول لن يثقوا كثيرًا باستثمار أموالهم في روسيا، وإنما سيبحثون عن وجهة خارجية أكثر أمانًا، فماذا ستكون وجهتهم؟
الفكرة من كتاب سطوة الدولار: رحلة مذهلة لدولار أمريكي لفهم طبيعة الاقتصاد العالمي
في رأيك أين يذهب الدولار الذي ينفقه المواطن الأمريكي؟ هل تعتقد أن الدولارات تنتهي بها الحال في الأسواق والمحلات التجارية أو البنوك المركزية؟
أنا أيضًا فكرت في هذين الاحتمالين المنطقيين، لكن ما لم أضعه في الحسبان أن يحزم الدولار أمتعته ويترك موطنه استعدادًا لرحلة طويلة جدًّا يجوب فيها الأرض من مشرقها إلى مغربها، فارضًا سطوته وسلطته، فهل أستطيع أن أنقل إليك حماستي لتتبع هذه الرحلة والتشوق لفهم خباياها؟ إذا نجحت في ذلك فدعنا لا نُضيع الوقت ونستعد للانطلاق في رحلتنا الآن.
مؤلف كتاب سطوة الدولار: رحلة مذهلة لدولار أمريكي لفهم طبيعة الاقتصاد العالمي
دارشيني ديفيد: عالمة اقتصاد وكاتبة ومذيعة بريطانية، درست الاقتصاد في كلية داونينج «Downing College» بجامعة كامبريدج، تشغل حاليًّا وظيفة كبيرة مراسلي الشؤون الاقتصادية في «BBC»، وقد سبق لها العمل في بنك «HSBC Investment Bank»، وشركة «Tesco»، كما عملت مراسلة ومقدمة أخبار في شبكة «Sky News» البريطانية، ولها مؤلف آخر بعنوان:
Environomics: How the Green Economy is Transforming Your World
عن المترجمة:
سارة فاروق: مترجمة مصرية، تخرجت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن عام ٢٠١١م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، تعمل مترجمة أولى لدى مؤسسة «هنداوي»، وسبق لها العمل في الترجمة لدى مجلة «نيتشر»، ومنظمة الصحة العالمية، وشركة «نجوى» للتعليم الإلكتروني، ومن ترجماتها:
«التسويق | مقدمة قصيرة جدًّا».
«عدالة الآنسة بيم».
«قطعة لحم».