ما بين الشركة الأجنبية وادعاءات الجهل
ما بين الشركة الأجنبية وادعاءات الجهل
حاول رفاق الطبيب إثناءه عن فكرته، فتلك الشركة الأجنبية ذات بأسٍ شديد وتحظى بدعم رئيس الحكومة نفسه، لكنه اتخذ قراره ورأى أنه ذو اسم قوي يُمكِّنه من الاستمرار حتى لو استغنى عن وظيفته الحكومية، ومرَّت الأيام وهو يفكر في الكيفية التي يبدأ بها حربه حتى جاءته فكرة لما كان يمارس السباحة في النيل، وقد وجد ماسورة تابعة لتلك الشركة تصب مياهًا قذرة في النيل، فقام بكتابة خطاب إلى الشركة يحملها فيها مسؤولية تلوث مياه النيل وتعَرُّض القرية إلى الأمراض الوبائية.
ولم يمر يومُ واحد إلا وجاءه مهندس فرنسي تابع للشركة، وقد رجحت كفة الطبيب بعد أن أظهر نفسه مسؤولًا عن حماية البلدة من خطر الأمراض المعدية، ففضلات مريض واحد بالتيفود إذا مرَّت بها تكفي لانتشار المرض في البلاد بأسرها، بل وعزَّز رأيه أنهم اكتشفوا أن رخصة المصنع منتهية، فحُرِّر محضرٌ يطالب المحكمة بغلقه، وبدأت الحوادث تتوالى إلى الدرجة التي أُحضِر فيها طبيب الشركة وظهرت عليه علامات الضعف بعد كبرياء الأمس، وأصبح طبيبنا ذا شأنٍ واحترام في نظر رجال الشركة، وبذلك تمكَّن بذكاء وسياسة من انتزاع كرامته والتحوُّل إلى شخص يُحسب له ألف حساب ويتم العودة إليه في أي إجراءات صحية، حتى أن المدير نفسه قد أبدى أسفه الشديد على ما حدث منه في المقابلة الأولى.
تطرَّق الطبيب إلى مشكلات القرية في تصديق أكاذيب بعض من يعتبرون أنفسهم رجال دين، إذ يتذكر في الخامس والعشرين من أكتوبر 1931 لما جاءه طبيب الشركة الفرنسي يروي له قصة عن أن قسيس الكنيسة الجديد يعالج الناس وخصوصًا الفتيات وبلا مقابل، وأنه يحظى بقدرة قوية على ذلك رغم أنه ليس بطبيب، حتى أن طبيبنا الشاب قد شاقه الحديث وقرَّر مقابلته، وقد علم منه أنه كان يدير مستشفى كبرى في الصين بشنغهاي، وأنه درس الطب في بروكسل ببلجيكا على حسب قوله، لكن لم تمر أيام حتى ظهرت أسراره، وعلم الطبيب أنه قد اختفى بعد أن تم اتهامه بهتك عرض فتاتين.
الفكرة من كتاب يوميات طبيب في الأرياف
تخرَّج طالب الطب أخيرًا ليكون طبيبًا بحق بعد رحلة طويلة من عناء الدراسة والامتحانات الشاقة، ومن الكتب والتحصيل والمجلدات، ها هو ينتقل أخيرًا إلى الحياة العملية بكل جوانبها، ويحكي صاحب هذا الكتاب رحلته كطبيب في أيامه الأولى عند استلامه العمل في إحدى قرى الريف، فرأى من حلاوة العيش ما رأى، ومن مرارة الحياة أيضًا وصعوبتها ومشاقِّها، ليضع في هذا الكتاب خبرة وعبرة للطبيب الناشئ بشكل خاص، وللجميع عامةً في مواجهة الحياة.
مؤلف كتاب يوميات طبيب في الأرياف
دمرداش أحمد: طبيب ومؤلف مصري، مارس مهنة الطب في بداية حياته في الأرياف واستمر لنحو عشرين عامًا.