ماهيَّة التربية وغايتها
ماهيَّة التربية وغايتها
في البداية قبل أن نعرف ما منهج التربية، يجب أن نعرف ماذا تعني؟ وما مقصدها؟ وبالبحث عن معنى التربية نجد أن الكثيرين من العلماء على مر التاريخ حاولوا وضع تعريفٍ لها على حسب الغاية التي يرونها من هذه الحياة، فمثلًا في العصر القديم يقول أفلاطون عن التربية إنها إعداد فرد ليصبح عضوًا صالحًا في المجتمع، بينما يرى أرسطو أنها: إعداد العقل لكسب العلم.
وبالانتقال إلى عصر النهضة يرى فترينو دافلتر أشهر المُربين بإيطاليا أن التربية: تنمية الفرد من جميع نواحيه العقلية، والخُلقيَّة، والجسميَّة، لا لمهنة خاصة ولكن ليكون مواطنًا صالحًا.
أما في عصر الكشوفات العلمية فيقول فرنسيس بيكون: إن التربية تفتح الأذهان، وتوجِّه الفرد إلى كسب العلوم حتى يستفيد منها متى أراد، بينما يقول ليتري: إن المعارف بعضها مكتسب وبعضها فطري، فالتربية تقوم بإكساب المهارات الفكرية واليدوية، وتعزِّز الصفات الأخلاقية.
وبالنسبة لعلماء المسلمين، فيقول الإمام البيضاوي: “أصَّل الرب لمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا، ثم وُصف به تعالى للمُبالغة، فتربية الناشئ على هذا الأصل هي العمل على إيصال الناشئ إلى الكمال شيئًا فشيئًا”، وفي تعبيره “شيئًا فشيئًا” إشارة إلى الأسلوب التربوي المناسب لطبيعة الطفل.
وقد اتفق الكثير من علماء المسلمين على أن التربية: عملية تحقِّق النمو المتزن المنسجم لجميع استعدادات الفرد، الجسمية والنفسية والعقلية والخُلقيَّة، حتى يصل إلى كماله.
ومن خلال هذه التعريفات نلاحظ أن غير المُسلمين حصروا الإنسان إمَّا في عقل فقط، أو في جسد فقط مثل “فرويد”، أو في روحٍ فقط، ولهذا فإن مناهجهم بها القصور الذي يظلم الإنسان، ولكن الإسلام هو من ينظر إلى الإنسان نظرة شاملة، يُراعي الجانب الدنيوي والأخروي معًا، فيقول تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، فغاية الإسلام من التربية إيجاد الإنسان الصالح الذي يلتزم بمنهج القُرآن، ويتأدَّب بأدب الإسلام؛ الإنسان العالمي الذي يعتقد أن الناس كلهم خلق الله، فهم إخوة في الخليقة.
الفكرة من كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
كثرت المُؤلفات في مجال التربية وصناعة الإنسان، وانطلق المؤلفون بالكتابة في هذا المجال من مُنطلق مفهومهم عن الحياة، إلَّا أن الله (عز وجل) لم يخلق الإنسان ويتركه سُدًى، بل أنزل إليه كتابه وقال فيه ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، فحين تخلَّى الناس عن القُرآن، اتجهوا إلى الشرق والغرب في محاولة لمعرفة الإنسان ومعرفة الطُرق تربيته.
انطلق كاتِبُنا في محاولة لاستمداد منهج القرآن الكريم في تربية الإنسان، في محاولة لمعرفة كيف يُربِّي القرآن العقل، والجسم، الروح؟ وكيف يضبط القرآن الدوافع الفطرية في الإنسان، فيجعلها وسطًا فلا يكبتها أو يتركها تتحكَّم به.
مؤلف كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
الدكتور عبد الرحمن عميرة: مفكر وباحث عربى، حقَّق عددًا من كتب أئمة السلفية، فقد قام بتحقيق كتاب “تفسير فتح القدير” للإمام الشوكاني، وكتاب “الرد على الجهمية والزنادقة” للإمام أحمد.
من مؤلفاته: “رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنًا”، و”المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها”، و”الطريق إلى الله”.