ماهية المعرفة
ماهية المعرفة
دارَ حوار بين سقراط وثياتيتوس، وقد طرح سقراط سؤالًا: ما المعرفة؟ فأجاب ثياتيتوس: إنها الإحساس، لكن سقراط اعترض على ذلك التعريف كونه منسوبًا إلى السوفسطائيين الذين يقولون إن الإنسان مقياس كل شيء، ونحن نرى أن إحساس كل فرد مُغاير عن الآخر، فلو كانت المعرفة هي الإحساس لتعدَّدت الحقيقة بتعدد الأشخاص.
فقدَّمَ ثياتيتوس تعريفًا آخر يقول: المعرفة هي الحُكم الصادق؛ لكن سقراط يعترض مرة أخرى ويقول إن الإنسان قد يعتقد الصدق في حُكم معيَّن لكنه مع ذلك خاطئ؛ فأضاف ثياتيتوس شرطًا للتعريف السابق، فيقول: المعرفة هي الحُكم الصادق المؤيد بالبراهين؛ ولكن سقراط يرى أن هذا الشرط لا يُضيف جديدًا، لأن الحجج المقدمة لتأييد الرأي قد تكون خاطئة، وتنتهي المحاورة بينهما بنتيجة سلبية؛ وكان سقراط يُريد من تلك المحاورة أن يقوم ثياتيتوس بتنمية ملكة التفكير لديه، وألا يدَّعي المعرفة بما لا يعرف.
وقد اتفق أغلب الإبستمولوجيين على التعريف الثلاثي للمعرفة، وهو: “الاعتقاد الصادق المسوِّغ”، فالإنسان لا يملك المعرفة إلا إذا كان لديه اعتقاد تجاه قضية معينة، سواء كان اعتقادًا بصدقها أو كذبها، فإذا كان الإنسان لا يملك أي نوع من أنواع الاعتقاد تجاه قضية معينة، فلا يملك المعرفة عنها؛ إضافةً إلى ذلك فعليه أن يقوم بالتصديق بهذا الاعتقاد، فالإنسان لا يمكن أن يعرف أمرًا كاذبًا، فقول أحدهم: “أنا أعرف أن مصر تقع في قارة أوروبا” لا تُسمَّى معرفة كونه اعتقادًا كاذبًا؛ فيجب أن يكون هذا الاعتقاد الصادق مسوّغًا ومبررًا، وأن نمتلك الأسباب الكافية للاعتقاد بصدقها، لأن هناك اعتقادات مرجِعُها التخمين والظن.
الفكرة من كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
تُعد نظرية المعرفة من أهم مباحث الفلسفة، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة، فكل فيلسوف وكل مذهب فلسفي لا بُد له من أصلٍ معرفي يُقيم عليه فلسفته، ونتيجة ذلك اختلف الفلاسفة تبعًا لاختلاف مصادر المعرفة لديهم وطُرق تحصيلها والوسائل الموصلة إليها، كما اختلفت نظرة كل مذهب فلسفي إلى الكون والوجود والحياة تبعًا لهذا الاختلاف في المصادر المعرفية، واتسمت جميعها بالاختزال، على عكس الإسلام الذي اتصف بالشمول وتَعدُّد مصادر المعرفة.
مؤلف كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
أحمد الكرساوي: كاتب وباحث في الفلسفة ونظرية المعرفة.