ماهية الغضب وأسبابه
ماهية الغضب وأسبابه
مع تزايد صعوبة الحياة يومًا بعد يوم، وتسارع وتيرتها، وتكاثر ضغوطها، يزداد انتشار الغضب بين الناس، فنراه في البالغين والأطفال والمراهقين على حد سواء، وهذا الغضب مثله مثل باقي المشاعر، لا يمكن أن يأخذ سمت السوء أو الحسن مطلقًا، وإنما هو مجرد طريقة للتفاعل مع الوجود حولنا، فدائمًا ما يكون الغضب مرتبطًا بقيمة مقربة إلى قلب الشخص، فإن مُسَّت تلك القيمة بالتشكيك أو الهجوم، ثار صاحبها وغضب لها، فماذا إن سُلِبَها؟ ألن يكون الغضب عندئذٍ حقًّا له؟
إن الغضب تعبير انفعالي، وظيفته الحيلولة دون فقد قيم الإنسان المهمة، كما أنه تجربة حيوية ضرورية للبقاء، فقد يكون مصدر إلهامٍ يساعد الفرد والآخرين على اتخاذ ما يجب من إجراءات تجاه الموقف، فيكون بذلك غضبًا حميدًا إذا وُجِّه إلى صالح الفرد والناس، وعلى خلاف هذا النوع المحمود، يوجد غضب عارم يصاحبه الغيظ والحقد والعدوان، ينفجر الفرد بسببه على كل صغيرة وكبيرة، لا يستطيع ضبط غضبه ولا السيطرة عليه، ومما يزيد الأمور سوءًا، جهلُ الفرد بأسباب غضبه، إذ يشعر أن أقل إهانة تجرح مشاعره وتمس كرامته، فكيف نتعامل مع هذا الغضب؟
إننا إن لم نستطع الوقوف على مكمن هذا الغضب وعلاجه، تحوَّل إلى شعور عارم بالاستياء والرفض، والرغبة في معاداة العالم ومخالفة الآخرين في كل رأي، ويصبح الشخص خائفًا متوجسًا من أي أحد له القدرة على انتقاد قيمه والتحكم فيها، هذا الخوف ليس خوفًا من الأشخاص بقدر ما هو خوف من قدرتهم على مهاجمته وتدمير قيمه، فبينما يساعد الغضب على إفراز «الإبينفرين» و«النورابينفرين»، اللذين يمدان الجسم بالطاقة للدفاع عن قيمنا والانتقام مِمَّن أهاننا، تُبقي مشاعرُ الغضب صاحبَها في حَيرة من أمره، ففي حين أنه يرغب في الدفاع عن قيمه واسترداد كرامته، وهو يمتلك بالفعل تلك القوة التي يمنحها له جسمه للقتال جراء ذلك، يدرك أن انفجاره لن يعود عليه إلا بتجربة عكسية تدميرية، تطرحه هو والآخرين أرضًا دون جدوى، لذا هل نستطيع الحصول على حقوقنا دون اللجوء إلى العنف، وتلافي القدرة التدميرية للغضب؟
الفكرة من كتاب القلق والغضب من منظور وجودي
في أيامنا المتتالية ينتابنا مزيج من المشاعر، فتارة نشعر ببهجة عارمة، وتارة أخرى نشعر بالضيق والخوف، تارة نشعر بالرضا، وتارة نشعر بالغضب، لا تتوقف حال المرء عند شعور واحد، ولكننا نجد أنفسنا نَصِف بعض المشاعر بصورة حسنة مقبولة، وأخرى نخافها ونمتعضها، ونتمنى لو كان من الممكن أن تختفي، ونتساءل عن سبب وجودها، فلماذا ينتابني الضيق والقلق والغضب؟
تلك المشاعر التي قد لا نفهمها ولا نستطيع التعامل معها، وأحيانًا قد تتملكنا عند حدوث أبسط المواقف، وقد يشعر أحدنا بوجود طاقة رهيبة من الغضب تنطلق بداخله على الرغم من إدراكه أن الموقف الذي هو فيه موقف بسيط للغاية، فما أسباب هذا الغضب وأشكاله؟ وكيف يمكننا التعامل معه ومع بقية مشاعرنا؟ كيف لنا أن نفهمها، ونجعل منها دافعًا لنا للانطلاق في غمار الحياة؟ لنناقش تلك الأسئلة من منظور وجودي.
مؤلف كتاب القلق والغضب من منظور وجودي
إيمي فان ديورستن: فيلسوفة، ومعالجة نفسية وجودية، وأستاذة زائرة في العلاج النفسي بـ«جامعة ميدلسكس | Middlesex University»، حصلت على الماجستير في علم النفس الإكلينيكي من «جامعة بوردو | University of Bordeaux»، والدكتوراه في الفلسفة من «جامعة سيتي | City, University of London»، كانت أول رئيسة في المجلس البريطاني للعلاج النفسي، وكان تطبيقها لأفكارها الفلسفية على علم النفس والعلاج النفسي باعثًا على ترسيخ المدرسة الوجودية في بريطانيا، أسست مدرسة العلاج النفسي والإرشادي في «Regent’s College»، وجمعية التحليل الوجودي، والمدرسة الجديدة للعلاج النفسي والاستشارات.
لها إسهامات عديدة من تأليفٍ وتحريرٍ للعديد من الكتب، ومن أهمها:
Existential Counselling & Psychotherapy in Practice
Everyday Mysteries: A Handbook of Existential Psychotherapy
معلومات عن المترجم:
مازن المريح: مترجم مصري وباحث في علم النفس، وله اهتمام خاص بعلم النفس الوجودي.