ماهية الألم
ماهية الألم
الألم إحساس وعاطفة، وهو دلالة على فهم الذات البشرية، فهو أمر لا مفر منه في الحياة، فمن دونه يفقد الإنسان جزءًا أساسيًّا من إحساسه بما يدور حوله، ويأتي بدايةً من الأشياء الصغيرة كألم الأسنان والمعدة وغيرهما، حتى الآلام الكبرى من أمراض مزمنة وحوادث كبيرة، وقال الكاتب عنه: “الألم حظوة الشرط الإنساني والحيواني ومأساته، ومع أنه مشترك بين كل الناس، فإن مفارقته هو أنه يظهر دومًا كما لو كان غريبًا عن الذات بشكل جذري”.
الألم مرض من نوع خاص، فعلى الرغم من أنه إنذار فعَّال لأمراض الفرد فإنه يحتاج إلى علاج مثله مثل المرض لتخفيف حِدَّته، والأشخاص غير القادرين على الإحساس بالألم -وهذا قد يكون ناتجًا عن عيب خلْقي ولدوا به، وهو أمر نادر حدوثه- يكونون في خطر طوال الوقت لأنهم قد يصابون بالكسر أو المرض أو حتى يفقد أحدهم الوعي ولا يستطيع الشعور بشيء، فتخيَّل أنك تفقد الشعور بمن حولك وبالعالم، بالطبع هذا ليس أمرًا جيدًا، ويقول الكاتب عمن فقدوا الشعور بالألم: “تكمن مفارقة الألم في كونها تمنحنا الإحساس بأننا أحياء وتقيم الحدود الفاصلة بين الذات والعالم، فالفرد يوجد حيثما يمسُّه الألم، وإذا لم يوجد الألم فقد يحسُّ بأنه لا شيء”.
ووظيفة الألم ليست قاصرة فقط على الشعور به، بل يُغيِّر من وظيفة الشيء الذي تتألَّم منه، فعلى سبيل المثال: أسنانك لو آلمتك فبالتالي تكون بها إصابة ما، ونتيجة لذلك تتغيَّر وظيفتها، لذا فالألم شيء معنوي وحسي أيضًا يجب الإفصاح عنه، فلو ظل حبيسًا فسيصبح شيئًا موجعًا بشكل لا يتصوَّره أي شخص، ويمكن اكتشاف الألم العضوي من خلال الفحص الطبي.
الألم طويل الأمد قاتل كالمرض، وقد يصبح ألمًا وليس له علاج طبي، وقد لا تنفعه مجاهدته وصبره عليه، وحينها يصاب الشخص باليأس والعزلة، ويجد نفسه يصارع الزمن وأحاسيسه مُشتتًا لاهثًا وراء أي مخرج من سجن الألم هذا، وإذا اشتدَّ عليه الألم فقد تتوقَّف الحياة في نظره ويعيش في رعب وتوتر، عاجزًا عن التعايش.
الفكرة من كتاب تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث
هذا الكتاب امتداد لكتاب أنثروبولوجيا الألم لمؤلفنا دافيد لوبروطون، ويعرض فيه الجانب الاجتماعي والثقافي للألم، وهنا يعرض لنا تجربة فريدة من نوعها في علم النفس، وهي تجربة الألم وكيفية التعايش معه والتعبير عنه وعلاقته بالعذاب واللذة عند الإنسان، وظهور فئة تستمد المتعة بالألم مثل حركة السادومازوشية وغيرها، فالألم هو شعور بشري يُصيب الإنسان لأسباب متعددة، منها الألم الجسدي مثل الصداع أو أوجاع مرض ما، والألم النفسي نتيجة فقد عزيز، أو بسبب خسارة ما أصابتك بألم الحزن، وهكذا، وهناك ألم بهدف اللذة، وهناك ارتباط بين الشعور بالألم والعذاب، فهو إحساس يصيب الجميع دون مفر، وقد يكون عابرًا أو مُلازمًا للشخص، وهو ضريبة ملازمة للوجود الإنساني والجسدي للبشر.
مؤلف كتاب تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث
دافيد لوبروطون: أنثروبولوجي وعالم اجتماع فرنسي، أستاذ بجامعة ستراسبورغ، وعضو في المعهد الجامعي الفرنسي، وباحث في مختبر الديناميات الأوروبي، وهو متخصِّص في تمثيل الجسم البشري ووضعه في الاعتبار، وقد درسه بشكل خاص من خلال تحليل السلوك المحفوف بالمخاطر، وله أبحاث مهمة في حقل العلوم الاجتماعية المعاصرة، وله اهتمامات جانبية نادرة، من بينها بحثه في كتابنا هذا “تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث”.
وله عدة كتب منها: “الصمت لغة المعنى والوجود”، و”أنثروبولوجيا الحواس: العالم بمذاقات حسية”، و”أنثروبولوجيا الألم”، و”سوسيولوجيا الجسد”، و”أنثروبولوجيا الجسد والحداثة”، وغيرها.
معلومات عن المُترجم:
فريد الزاهي: كاتب ومترجم وناقد فني مغربي، حصل على شهادة الإجازة في الفلسفة وعلم النفس، ثم على شهادة الدراسات المعمَّقة في الأدب المقارن، كما حاز دكتوراه السلك الثالث في الدراسات والحضارات الإسلامية من السوربون.
وله عدة مؤلفات منها: “الجسد والصورة والمقدس في الإسلام”، و”العين والمرآة”، وغيرهما، كما له عدة ترجمات، ومنها: “الصمت – لغة المعنى والوجود”، لدافيد لوبروتون”، و”كيف نحلم؟”، لإيزابيل أرنواف”، و”السحر والدين في أفريقيا الشمالية”، لإدمون دوطي، و”هل يمكن تعديل الدماغ؟” لكريستيان مارينداز، وغيرها.