ماذا نساعد هايتي؟
ماذا نساعد هايتي؟
منذ قرابة العقد، قامت موجات تسونامي ضخمة بضرب جزيرة هايتي الواقعة في المحيط الأطلنطي بالقرب من خليج المكسيك، وأسفرت تلك الموجات في العديد من الكوارث على البلاد عن همٍّ إضافي على همِّ البلاد، فإضافةً إلى أن البلاد من أفقر الدول المسجَّلة في العالم، قام التسونامي بتدمير معظم الجزيرة، ما أسفر عن أعداد ضخمة من الضحايا سواء من الوفيات أو المصابين والمفقودين، وقامت العديد من الحملات العالمية لمساعدة المنكوبين، وشارك فيها أبرز الشخصيات العالمية من السياسيين والأثرياء والفنانين لدعم تلك الحملات بملايين الدولارات لإعادة إعمار الجزيرة المنكوبة، لكن لنتوقَّف لحظة، لماذا نساعدها؟ لنتركها مكانها، فهي ليست بالجزيرة التي نضع استثماراتنا بها مثلًا لنخاف عليها ولا هي بالمدينة الاقتصادية العملاقة التي سيهز سقوطها أسواق المال، كذلك لا نتوقَّع منها أن ترد ما نسدده لها من هذه الحملات على المدى الطويل، إذًا ما العائد الذي سنستفيده من مساعدتنا إياهم باقتطاع جزءٍ من ثرواتنا لهم!
حسنًا لقد وجد الاقتصاديون الحل، وكذلك هم دائمًا أصحاب الحلول، فقد افترض علماء الاقتصاد أن هناك ضروبًا للجشع المقنَّع، قائمة بالطبع على فكرتهم أن الإنسان هو كائن جشع أناني يرشده عقله إلى الخيارات الصحيحة، يهدف بها الإنسان إلى الاستفادة من تلك العمليات الإيثارية لما قد ينفعها في المستقبل، فالزبون الذي يدفع بقشيشًا يتوقَّع خدمة أفضل في المرة القادمة، وكذلك الشخصيات العامة تتوقَّع أن يتم تحسين صورتها من جرَّاء تلك الحملات التي يدفعون لها من قبيل تحسين العلاقات العامة، بل قد يصل الأمر أن الأم تربِّي أبناءها لتستثمر فيهم عندما تكبر ويقومون برعايتها، وهذا كل شيء، يظل الإنسان أنانيًّا ولا يجري وراء عواطفه.
يستطرد الكتاب في محاولة تفسير سلوكيات الإيثار والتعاون التي قد يقوم بها الأفراد دون أي دافع عقلاني، ويصل بالنتيجة إلى أن هذه السلوكيات هي بمثابة نمط جديد من الأنماط قد يراها البعض قامت بناءً على نهج تطوُّري طوال آلاف السنين من تفاعلات الإنسان المتكرِّرة مع نظيره في جماعاته المنتمي إليها، إلا أن المؤلف يرى أن التفسير الأقرب قائم على فكرة أن عمليات الإيثار والتعاون هي الأساس الذي قام عليه الإنسان وجماعته المعاصرة، والتي فازت في صراعها مع الجماعات التي احتوت أفرادًا أكثر أنانية؛ فالأمر ينقسم إلى مقدِّمتين: أولاهما: أن الجماعات كأي جماعات يوجد بها الأفراد ذوو الصبغة الأنانية، والذين يتنافسون على موارد الجماعة فيما بينهم، وثانيتهما: أن هناك تنافسًا بالأساس بين الجماعات بعضها وبعض، وبالتالي تزيد فرص الجماعة في الفوز بالصراع إذا كان أفرادها تغلب عليهم صفة التعاون والإيثار الطوعية، وذلك ما أدَّى إلى استمرار ذلك النمط الذي هو من المفترض أن يكون، إذا اعتمدنا على الفكرة التطوُّرية في التفسير، سوء تكيُّف من المفترض أن يكون قد اندثر.
الفكرة من كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مع تصور حدوث ثورة في مجال العلوم الاجتماعية، يحاول المؤلف استشراف ظواهر بداياتها المختلفة. تلك الثورة التي ستتمكن حسب رؤيته من تغيير عميق لعملية المعرفة حيث سيصل العلماء إلى قوانين صارمة تحكم العالم البشري لا تتعارض مع حرية الإرادة الفردية لكنها ستحاول تفسير العمليات الاجتماعية، تمامًا كما يفسِّر علماء الفيزياء العمليات المختلفة التي تتم داخل الذرَّات.
مؤلف كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مارك بوكانان: عالم فيزيائي، ومحرِّر سابق بمجلة “Nature” الشهيرة في مجال العلوم، حصل في يونيو 2009 على جائزة لاغرانج في تورينو فيما يتعلق بالكتابة العلمية في مجال التعقيد، ألَّف العديد من الكتب والمقالات التي تستهدف بالأساس التعريف بأفكار الفيزياء الحديثة، وكذلك عمليات الربط والإسهامات المختلفة التي تقدمها الفيزياء للعلوم المختلفة ومنها الأحياء والعلوم الإنسانية، ومن كتبه: “معادلة التاريخ”، و”العالم المعقد، القانون البسيط”، و”الناس ذرات، العالم يتحرَّك بالقانون المادي”، و”التاريخ يتحرك بواسطة قانون القوة”، و”السوق يتحرك بالقانون المادي”.
معلومات عن المترجم:
أحمد علي بدوي: مترجم، وله عدد من الكتب التي ترجمها عن الفرنسية، ومنها:
“مختارات من شعر القرن السادس عشر الفرنسي”، و”رحلة في آخر الليل”، من تأليف لويس فردينان سلين، و”القلعة” من تأليف أنطون دو سانت إكزوبيري.