ماذا أخفى التاريخ المنتصر؟
ماذا أخفى التاريخ المنتصر؟
يقول جيمس أديار في كتاب تاريخ الهنود القديم: “إنهم أكثر تحضرًا من الإنجليز، إنهم يعيشون في ظل أنبل القوانين وأبسطها، هاهم جميعًا ينعمون بفرص متكافئة وامتيازات متساوية، سعداء، ليس هناك من وصف ممكن للفرح والبهجة والدفء والشجاعة التي تعمر صدورهم”.
ففي عام 1727 نُشر كتاب تاريخ الأمم الهندية الخمس، ويعد من أندر الشهادات عن النظام السياسي والاجتماعي والتقنيات المستخدمة لدى الهنود، وأشاد بالاتحاد القائم بين الأمم الهندية عبر مئات السنين، وأنهم لا يعرفون العنف والإكراه، ويعرف للناس قدرهم بالإجلال والتقدير أو الازدراء والنبذ لا أكثر، وكان الزعماء خدمًا لشعوبهم لا سادة متسلطين، فيقول الكتاب: “وهم على مستوى رفيع جدًّا من السياسة والتشريع لم تعرفه فرنسا قط”.
وفي حين كان الإنجليز والأمريكان يؤمنون بالحرية ولكن لأنفسهم فقط، وكان الهنود يؤمنون بحرية الجميع، فلا استعلاء لقوي على ضعيف، فلم يعرف مجتمعهم الرق أو السخرة، وكانت المرأة مكرمة في المجتمع الهندي حتى بلغ الأمر بالمناضلة النسوية كاثي كيتون أن تقول عن المرأة الهندية: “لقد تعلمنا منها نسويتنا”.
وفي كتاب “الواهبون الهنود” يتحدث جاك وذرفورد عن فضل الهنود على العالم والحضارة في تقنيات الزراعة والصناعة وفي التشريع والطب والعمران حتى لم يكن للمستعمرين الأوائل فرصة للبقاء على قيد الحياة لولا إنسانية الهنود الحمر وأخلاقهم وترحيبهم بهم ومساعدتهم، فتعلموا منهم لبس ملابس وأحذية الثلج المناسبة وتعلم فنون زراعة البطاطا والذرة ويبنون دولة عادلة، وهناك مئات الأبحاث والدراسات عن تأثير هنود الأوروكوا وتجربتهم السياسية في الثورة الأمريكية والآباء المؤسسين لأمريكا مثل فكرة الاتحاد الأمريكي وفكرة مجتمع اللاإكراه، وكان لدى هنود الأوروكورا أساليب خطابية في غاية البلاغة والجمال.
الفكرة من كتاب أميركا والإبادات الجماعية
“تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض، إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين، ويا الله! ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض، هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون، فإن جلادنا المقدس واحد”.. بهذه الشهادة لمايكل هولي أحد نشطاء هنود شعب سو عام 1996 يبدأ منير العكش كتابه الذي يجمع فيه عددًا كبيرًا من الشهادات لمعرفة تاريخ الشعوب الأصلية في أمريكا من الهنود الحمر، تاريخ مائة واثني عشر مليون إنسان لم يبقَ منهم سوى ربع مليون في أول القرن العشرين، في الوقت الذي يوهمنا فيه تاريخ المنتصر بروايات الأرض الفارغة، ووحشية الشعوب الهندية، والخسائر الهامشية في سبيل تحقيق أقدار الله.
مؤلف كتاب أميركا والإبادات الجماعية
منير العكش: ناقد وباحث وأستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك في بوسطن، ومؤسس مجلة “جسور”، كان لتاريخ الهنود الحمر نصيب كبير من اهتمامه وبحوثه بالإضافة إلى ظاهرة الصهيونية غير اليهودية.
ألف كثيرًا من الكتب منها: “أميركا والإبادات الجنسية”، و”عن الشعر والجنس والثورة” بالمشاركة مع نزار قباني، و”الثقافة ومقاومة الموت”.