مؤشر الصحة النفسية
مؤشر الصحة النفسية
إن خلق صورة ذاتية للنفس عبر شبكة الإنترنت على هيئة ملف شخصي -profil- يُعد في وقتنا الحالي مؤشرًا إلى الصحة النفسية، بل إن العزوف عن إنشائه يُشير إلى وجود خطر من ناحية هؤلاء الأشخاص الرافضين إظهار ذواتهم من خلاله على منصات التواصل، ففي عام 2012م وقعت حادثتا إطلاق نار في إحدى دور السينما في مدينة دنفر | Denver، ومدرسة ابتدائية في ولاية كونيكت | Connecticut، واكتشف المراسلون أن مرتكبَي الحادثتين لم يكن لديهما ملف شخصي على أيّ من منصات التواصل الاجتماعي، وقد أكد صحة هذا القول دراسة أجراها الطبيب النفسي “ريتشارد بلونجيه” عام 2011م، وأثبت فيها وجود صلة بين النشاط على شبكة التواصل الاجتماعي والصحة النفسية، وهذا يجعلنا نتساءل.. هل إنشاء ملف شخصي كان ضروريًّا في ما مضى لإثبات الصحة النفسية؟
المدهش أنه خلال العشرين عامًا أو الخمسة وعشرين الماضية كانت الملفات الشخصية تُنشأ فقط لمرتكبي جرائم القتل المتسلسل والمختلين عقليًّا، ولم تكن كلمة “profil” تستخدم لتحديد اهتمامات الشخص وعرض سيرة ذاتية قصيرة عنه، بل كانت تستخدم في السياقات المعمارية والبيولوجية لوصف المعالم المميزة للمباني وسلاسل الجبال، وقد احتوى الملف الجنائي على المعلومات التي تطلب منّا اليوم عند التسجيل في أي منصة تواصل اجتماعي، كالجنسية والسن والحالة الاجتماعية وغيرها من المعلومات التي تعمل على حصر الهوية، وبعد ظهور شبكة الإنترنت تحولت هذه المعلومات التي تُدرج في الملفات الشخصية من كونها وسيلة لمعرفة المذنبين إلى وسيلة لوصف الذات، ففي يناير عام 1997م قدم “أندرو وينريتش” فكرة إنشاء موقع “six degrees” الذي يعد النموذج الأولي لمواقع التواصل الحالية، وقد حصل هو وفريقه على براءة اختراع البرنامج المستخدم في تسجيل البيانات الشخصية التي صارت في ما بَعد لأصحاب شركات التواصل بمنزلة العملة النقدية التي تُدر عليهم الأرباح
فالحصول على خدمات تلك المواقع ليس مجانيًّا، بل إن كل شخص يدفع مقابل تلك الخدمة بتقديم نبذة يؤلفها عن نفسه تُمكن المُعلنين من إرسال إعلانات مُشخصنة تناسبه، ونتيجة لأن المعلومات المقدمة للمعلنين يجب أن تكون حقيقية، تمسك “مارك زوكربيرج” مؤسس “فيسبوك” بأن هُوية المستخدمين للمنصة يجب أن تكون واحدة ولا يشوبها الخداع، وهذا ما جعله يتفوق على منصة “ماي سبيس” التي كانت تتفوق على مؤسسته في بادئ الأمر، وكانت تسمح بإنشاء ملفات شخصية متعددة وغير حقيقية، ووصفَ المنصة بأنها تفتقر إلى النزاهة.
الفكرة من كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
نعيش اليوم في عصر مليء بالاختراعات التي لم نُفكر يومًا “من أين أتت؟ وماذا كان الهدف من وجودها؟ وهل حقًّا علينا التخوف من التقدم السريع للتكنولوجيا الذي يؤدي إلى وجود سلطة “الأخ الكبير”، التي ذكرها الكاتب جورج أورويل في روايته “1984”، أم علينا أن نستمع إلى الدعوة القائلة إن سلطة المراقبة انتهت بنشأة الثقافة الرقمية؟”.
هذه الأسئلة والمخاوف نجدها في كتابنا، إذ يقدم إلينا الكاتب الحقيقة حول التقدم التكنولوجي السريع، وحقيقة السلطة الرقابية التي يتعرض لها الجميع.
مؤلف كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
أندرياس برنارد: أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة لوفانا في لونبورج بألمانيا، ورئيس مركزها للثقافات الرقمية، درس النقد الأدبي والدراسات الثقافية في ميونيخ، وكان مساعد باحث في جامعة باوهاوس فايمار وفي جامعة كونستانس، مهتم بالتأليف في تاريخ الاختراعات، ومن كُتبه:
“Lifted: A Cultural History of the Elevator”
“Theory of the Hashtag”
معلومات عن المترجم:
سمر منير: مترجمة لها ترجمات عديدة في مختلف المجالات، منها:
كتاب “الشاي: ثقافات – طقوس – حكايات” لكريستوف بيترز.
رواية “ف. و. م. و. Fear Of Missing Out” لألموت تينا شميدت.