مؤامرة انقلابية وقتل غدر
مؤامرة انقلابية وقتل غدر
ما لبثت الحصون المجاورة لإمارة الرها أن أخذت تسقط في يد عماد الدين زنكي واحدة تلو الأخرى، وأخذ يستمر في إسقاطها حتى وصل إلى قلعة البيرة الحصينة التي كادت تسقط لولا أن بلغه نبأ قيام مؤامرة انقلابية ضده تزعمها أحد ابني السلطان محمود، وهو الخفاجي الذي استغل غياب زنكي عن الموصل وقام بقتل النائب “نصير الدين جقر”، وأعلن العصيان والسيطرة على المدينة، فأرسل زنكي القاضي تاج الدين الشهرزوري الذي سرعان ما قدم إلى الموصل وخدع الخفاجي بإعلان الولاء له ثم قام بالقبض عليه هو وأتباعه وتم إعدامه، وقد غيَّرت هذه الأحداث من سياسة زنكي مع ابن السلطان الآخر الملك ألب أرسلان، حيث أبدى اهتمامه وعطفه عليه بعد وفاة أخيه (الخفاجي)، فاضطر إلى فك الحصار عنه لإصلاح الأمور في إمارته واستطاع بعد ذلك إخضاع البيرة بالفعل.
وفي ليلة الخامس من ربيع الآخر عام 541هـ تم اغتيال عماد الدين زنكي على يد عدة غلمان من مماليكه المقربين -وعلى رأسهم “يرنقش”- انقضُّوا عليه وهو نائم، وقد هربوا بعد قتله، وساد الاضطراب والفوضى بعدما انتشر نبأ اغتياله، ويظن الكاتب أن سبب الاغتيال هو أن يرنقش قد رأى عماد الدين زنكي يسيء معاملته ويقسو عليه، وقد كان زنكي في هذه الأثناء محاصرًا بجيشه قلعة جعبر ويُحتمل أن يرنقش ذا الأصل الإفرنجي قد تعاون سرًّا مع الصليبيين للقضاء عليه، وعلى أي حال فقد هرب يرنقش إلى قلعة جعبر حيث استقبله صاحبها وأكرمه، ولكن لم يلبث حتى عانى المطاردة خوفًا من قيام نور الدين محمود زنكي -ابن عماد الدين زنكي- أمير حلب بالانتقام لأبيه، وفي النهاية تم القبض على يرنقش وإرساله إلى الموصل لإعدامه، ودُفن زنكي في الرقة.
الفكرة من كتاب السلطان الشهيد عماد الدين زنكي
لم يكن المشروع الإسلامي الذي حقَّقه صلاح الدين الأيوبي ومن قبله نور الدين زنكي إلا استكمالًا لما بدأه قائد مُسلم وسياسي بارع يُدعى عماد الدين زنكي، إذ بدأ الأمر من مدينة لم يتوقع أحد أنها ستكون يومًا ما الانطلاقة نحو توحيد مصر وبلاد الشام وتحرير الأقصى، وهي مدينة الموصل.
وفي الوقت الذي ضعفت فيه البلاد الإسلامية وتفكَّكت حتى اعتبرت كل مدينة نفسها دولة تحارب جارتها المسلمة، يخرج هذا الأمير أو كما عُرِف بالأتابك، من إمارته الصغيرة نحو مشروعه الضخم الذي سيشهد نجاحًا غير مسبوق استحق تحرير الأقصى!
مؤلف كتاب السلطان الشهيد عماد الدين زنكي
علي محمد محمد الصلابي: فقيه ومؤرخ ومحلِّل سياسي ليبي الجنسية، نال درجة الماجستير في أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن، كما حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية.
له العديد من المؤلفات منها: “دولة السلاجقة: موسوعة الحروب الصليبية”، و”الشورى فريضة إسلامية”، و”صفحات مشرفة من التاريخ الإسلامي”، و”فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب”.