مأساة عالِيَة
مأساة عالِيَة
في العاشر من نوفمبر، دخل على الطبيب رجلٌ في منتصف عقده الخامس، وكان مفتول العضلات، عريض المنكبين، تكاد تخرج من وجهه علامات الشر والقسوة، ثم دخلت معه امرأة وفتاة في مقتبل الشباب، وذكروا له أنهم يريدون التأكُّد من أنها حامل أم لا، ففهم الطبيب أن هناك مشكلة لكنه لم يستطع التأكد تمامًا نتيجة رفضهم ذلك، فأجاب بالنفي وخُيِّل له أنهم اطمأنوا لذلك.
عندما خرج هؤلاء الثلاثة، دخل عليه مريض آخر حكى له قصة تلك الأسرة، وأن ذلك الرجل له عصابة من الأشرار تسطو على القرى المجاورة وتسرق أملاكها ومواشيها، وأنه قد خرج من السجن منذ فترة قريبة بعد أن أمضى عقوبة مدَّتها عشرون عامًا، أما عن ابنته “عالية”، فقد كانت فتاة القرية دون منازع لجمالها وأملاك أبيها وقوته، لكن نالتها الأقاويل حول شرفها، كما أن أباها لم يرَ السعادة بعد خروجه نتيجة لمرض ابنه، وزاد الأمر سوءًا أن أحسَّت عالية بمغص شديد وقيء، وشخَّص طبيب يوناني حالتها بأنها حامل.
مضت الأيام والأشهر، وجاء يومٌ طلب فيه ضابط النقطة من الطبيب الحضور معه إلى قرية قريبة للكشف على جثة غريق، وقد اكتشف بصعوبة أنها لتلك الفتاة “عالية”، وعلى الفور أخطر الطبيب النيابة بشكوكه حول أن الوفاة جنائية وليست غرقًا، فطلبت النيابة تشريح جثتها، ولما قام بذلك وجدها عذراء طاهرة، وأن التضخُّم في رحمها كان نتيجة ورم ليفي كبير في حجم جنين عمره أربعة أشهر، وأن سبب الوفاة كان اسفكسيا الخنق، وانتشر الخبر سريعًا بين أهل القرية، وخارت قوى الأب واندفع باكيًا معترفًا أنه قتلها بيديه، قتل تلك البريئة الطاهرة بجهله.
الفكرة من كتاب يوميات طبيب في الأرياف
تخرَّج طالب الطب أخيرًا ليكون طبيبًا بحق بعد رحلة طويلة من عناء الدراسة والامتحانات الشاقة، ومن الكتب والتحصيل والمجلدات، ها هو ينتقل أخيرًا إلى الحياة العملية بكل جوانبها، ويحكي صاحب هذا الكتاب رحلته كطبيب في أيامه الأولى عند استلامه العمل في إحدى قرى الريف، فرأى من حلاوة العيش ما رأى، ومن مرارة الحياة أيضًا وصعوبتها ومشاقِّها، ليضع في هذا الكتاب خبرة وعبرة للطبيب الناشئ بشكل خاص، وللجميع عامةً في مواجهة الحياة.
مؤلف كتاب يوميات طبيب في الأرياف
دمرداش أحمد: طبيب ومؤلف مصري، مارس مهنة الطب في بداية حياته في الأرياف واستمر لنحو عشرين عامًا.