ليس بينك وبين الله واسطة!
ليس بينك وبين الله واسطة!
أثناء سيرك في طريق تحقيق الغاية من خلقك لا تحتاج إلا إلى دليل واضح ثابت لا يتغير حتى تصل، مهما اعتراك من خطوب وأيا كانت الظروف من حولك، وقد تحتاج بجانبه إلى علامات إرشادية تساعدك وتصحِّح لك وجهتك، والأصل في هذا كله أن تسلك أنت فتتعرَّف معالم الطريق وتتزوَّد من دليلك شيئًا فشيئًا، أما أن تسلك طريقًا سلكه غيرك فتمشي مقتفيًا أثره بغير أن تذوق أنت مرارته ولذَّته فقد أضعت وقتك وما جنيت شيئًا، وإن اعتراك خطب أو نزلت بك نازلة وقفت مكانك لا تدري ماذا تفعل ولا كيف تتصرف وسرعان ما ترتد مكانك من حيث بدأت أو تتوقف فلا تكمل!
هذا هو الفرق بين التربية على الارتباط المباشر بالنص الشرعي وبين وجود واسطة بينك وبينه سواء كانت تلك الوساطة روحية قائمة على التلقي من شيخ صوفي المذهب مثلًا، أو وساطة فكرية قائمة أيضًا على التلقي عن مفكر أو كاتب أو سياسي مجاهد ونحوهم، وما أكثر النوع الأخير في زماننا هذا!
إن هذه القضية غاية في الدقة والأهمية في عملية الارتباط والتقرُّب من النصوص الشرعية وهي من الدقة بمكان بحيث لا يستطيع أن ينتبه لها إلا من هو واعٍ بوجودها مدرك لضررها على المدى البعيد أو مجرِّب لها قد ذاق مرارها، نعم هناك فارق بين أن ترتبط بالنص الشرعي ارتباطًا مباشرًا مستعينًا في ذلك بأدوات ووسائل مساعدة من كتب أو من شيوخ مربين وبين أن ترتبط بالشخص وأقواله وأحواله وأفكاره فتكون خاضعًا له هو، وسائرًا على نهجه وفهمه هو للنص الشرعي متعصبًا لآرائه، فارق بين أن تكون متلقيًا وبين أن تكون متكونًا متربيًا قد نمت لديك عقلية نقدية واعية وتكونت لديك شخصية شمولية قد تغيرت تغيرًا كليًّا قائمًا على أساس ومرجعية ثابتة، وبين أن تكون مقلدًا متعصبًا لا جذور لشخصيتك أصلًا ولا أثر للتلقي فيك بشكل عميق لا بشكل سطحي حالي مؤقت، وفارق بين المربي والوسيط، فالمربي يعلمك الاستقلالية وينمي شخصيتك ويراقب ويوجه ترقِّيك في عملية التدين بخلاف الوسيط الذي يلقنك المفاهيم بغير تعب منك فيصنع بذلك جيشًا مقولبًا مستهلكًا لا منتجًا مستقلًّا مبادرًا.
التربية إذًا لا الوساطة، والتكوين لا التلقين هو الضمان الوحيد لسير صحيح ثابت في طريق الالتزام بهذا الدين فكرًا وشعورًا وتطبيقًا.
الفكرة من كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
هناك فوارق لطيفة دقيقة للغاية لا ينتبه لها معظم الخلق وتختلف أهميتها باختلاف عواقبها، ونحن هنا أمام فارق دقيق في عملية التربية الدعوية لا يُدرك أثره لمن لا يعلمه ابتداءً إلا بعد أن يقطع شوطًا في التربية فيُفتح عليه فيستدرك كما حصل للكاتب في بعض أمره.
بين التربية والوساطة، وبين التكوين والتلقين، وبين الإعداد والتقليد، هذا البون الذي يعرفنا عليه الكاتب مبكرًا للبعض وربما متأخرًا عند البعض الآخر، هذا البون هو ما يتمايز به القاصدون في النهاية، وربما مبكرًا!
مؤلف كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
الدكتور فريد الأنصاري: وُلد في المغرب وعمل في مجال الدعوة الإسلامية، مدارسةً وتطبيقًا، ولم يحُل ذلك بينه وبين الابتلاء كعامة عباد الله ممن يختارهم الله لهذا، لحكم ومقاصد شتى، فصارع المرض وصارعه المرض حتى غلبه بمستشفى إستانبول بتركيا، ثم نُقِل إلى مسقط رأسه ليُدفن هناك.
له العديد من المؤلفات في مجال الدعوة، ومنها:
مجالس القرآن في ثلاثة مجلدات.
الفطرية، بعثة التجديد المقبلة: من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام.
الدين هو الصلاة، والسجود لله باب الفرج.