لم تعد الأمور كما كانت
لم تعد الأمور كما كانت
كان آسر يحصل على كل ما يريد بالبكاء والصراخ، ولا يفكر في شيء غير اصطحاب التليفون أو بعض ألعابه التي يلعبها بصورة تكرارية دون ملل، كما كان يحب أن يدور حول نفسه ويستمتع بالحركات الدائرية كحركات المراوح وإطارات السيارات، بالإضافة إلى أنه كان يحاول إيذاء نفسه مرارًا وإيذاء الآخرين، فكان يعض جسده ويخربشه عند شعوره بالغضب، ويصدم رأسه بعنف وينتف شعره، ولم يكن يضع في باله أي معايير للأمن والسلامة، كأن يخشى اللعب مع الحيوانات أو يمتنع عن أكل الطعام الشديد السخونة أو يخاف النار والمرتفعات، كما كان يأكل أشياء غير قابلة للأكل ويفضل ارتداء ملابس معينة بل وكثيرًا ما مزق ملابسه، فهل أدركت أسرة آسر حالته؟
مع الأسف لم تدرك الأسرة أن هناك أمرًا يحتاج إلى التحرك على وجه السرعة، ولكن كانت لأم آسر زميلة أدركت الخطر وأشارت عليها بالذهاب إلى أحد مراكز ذوي الهمم، وبعد محاولات كثيرة من أم آسر مع الأب والجد والجدة غير المقتنعين بالفكرة تمامًا وافق الأب أخيرًا! ومنذ هذه اللحظة انقلبت الأمور رأسًا على عقب، إذ انتهت المقابلة الأولى في مركز التأهيل بطلب مجموعة من الاختبارات النفسية والفحوص الخاصة باضطراب الطيف التوحدي، وهنا كانت الصدمة الأولى في حياة الأسرة وانقسموا بين قليل يقبل إجراء الفحوص وكثير يرفضها ويرى أنها محض تضييع للمال، وبعد كثير من النقاشات ذهبت الأسرة لإجراء الفحوص والاختبارات المطلوبة، التي أكدت إصابة آسر باضطراب الطيف التوحدي وأنه يحتاج إلى برنامج تأهيلي مناسب.
هل تتوقع أن آسر بدأ برنامجه التأهيلي وأخيرًا وُضع على الطريق الصحيح؟ مع الأسف دخل آسر في متاهة كبيرة بين أطباء ومراكز تأهيل مختلفة لكل منهم رأي، والأسوأ أن معظم هذه المراكز كانت لها ممارسات سيئة وإهمال كبير أدى إلى تدهور وضعه أكثر فأكثر، ولم يقتصر الأمر على المراكز السيئة بل شمل الذهاب إلى معالج روحاني زعم أن آسر يعاني من السحر!
الفكرة من كتاب أيامي مع التوحد: حكاية إرشادية للأمهات
التوحد! ما معنى هذه الكلمة؟ هل هو اضطراب نفسي؟ وما علامات هذا الاضطراب؟ وكيف يكون الشخص المصاب به؟ هل يعيش بشكل طبيعي؟ وكيف تكون حال أسرته؟ ثم يا تُرى ما احتياجاته؟ وهل يمكن أن يجد هذه الاحتياجات ذات يوم ويحظى بحياة جيدة؟ كل هذه الأسئلة وأكثر سنجيب عنها من خلال رحلتنا مع “آسر”، الذي سنصحبه في مشواره مع التوحد منذ أيامه الأولى.. فإذا أردت يومًا أن تخوض رحلة تشعرك بإنسانيتك وتثير فيك العطف والرحمة والتفهم، فلن تجد فرصة أفضل من هذه.
مؤلف كتاب أيامي مع التوحد: حكاية إرشادية للأمهات
أحمد البكري: حاصل على ماجستير اضطرابات النطق والتوحد، وباحث دكتوراه في اضطراب الطيف التوحدي، ولديه مركز خاص بتأهيل أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة.