لماذا يصاب كثير من السجناء باضطرابات عقلية؟

لماذا يصاب كثير من السجناء باضطرابات عقلية؟
يعيش خلف القضبان عدد هائل من السجناء الذين يعانون اضطرابات عقلية مُقلقة تتطلب علاجًا نفسيًّا مُكثفًا، لكن مع الأسف يفتقر هؤلاء السجناء إلى أبسط خدمات الصحة العقلية، وحتى الذين يحصلون على علاج، فإنهم لا يحظون بالاهتمام الكافي. إضافةً إلى ذلك، يواجهون تعاملًا قاسيًا عنيفًا من حراس السجن، ويتعرضون للاعتداء أو النبذ والنعت بالخبل والجنون من قبل زملائهم في السجن. مثل هذه المؤسسات، التي تفتقر إلى التعاطف وتعاني ضعفًا في برامج الصحة العقلية، تضع السجناء المصابين بالاضطرابات العقلية في مأزق، فإما أن يعيشوا في العزل داخل السجن لتجنب المشكلات، مما يزيد من اكتئابهم، وإما يردون على الاستفزازات بالعنف، مما يؤدي بهم إلى الحبس الانفرادي، هذا يعني أنهم يُجبرون على العزلة بطريقة أو بأخرى مما يزيد من تدهور حالتهم تحت هذه الظروف الصعبة، والذي يجعل الأمور أكثر تعقيدًا، أن هذا الوضع يشكل خطرًا على الأمن العام عندما يخرج هؤلاء السجناء من السجن.

تشير الإحصاءات إلى أن معدل انتشار الاضطرابات العقلية بين السجناء يبلغ خمسة أضعاف معدل انتشارها بين عامة الناس، وفي سجون الولايات المتحدة، يحتاج ما بين 10 إلى 20% من إجمالي عدد السجناء إلى رعاية صحية مكثفة. وتعود أسباب ارتفاع معدلات انتشار الاضطرابات العقلية داخل السجون إلى سببين رئيسين، السبب الأول: يتمثل في إخراج مرضى الاضطرابات العقلية من المؤسسات العلاجية، وانخفاض الإنفاق العام على نظام الصحة العقلية، ويُعزى السبب الثاني إلى الإجراءات القانونية التي تزيد من صعوبة تحويل المتهمين المصابين بأمراض عقلية إلى برامج علاجية خارج السجون.
تكمن مشكلة السجون في أن الأمن يأخذ الأولوية على جميع جوانب الرعاية الصحية، فعندما ينخرط سجين مصاب باضطراب عقلي في نزاع مع سجين آخر، يتدخل ضابط الأمن، لا موظفو الصحة العقلية، وعادة تكون النتيجة هي العقاب بدلًا من تقديم العلاج اللازم للمريض العقلي، فيؤدي هذا الأسلوب القائم على الأمن إلى نتائج عكسية غير مرغوب فيها، إذ يدفع هذا الوضع عديدًا من السجناء المضطربين عقليًّا إلى تفضيل البقاء في زنزاناتهم طوال اليوم لتجنب المشكلات، ومع ذلك، يؤدي هذا الانعزال إلى تفاقم حالات الاكتئاب داخل السجن، وقد ذكر أحد السجناء من ذوي الأصول الإفريقية في أحد السجون المشددة، أنه يفضل البقاء في زنزانته طوال اليوم لتجنب المشكلات، وبسبب هذه العزلة أصبح يعاني اكتئابًا حادًّا، ورغم ذلك فقد عبّر عن أنه يفضل الاكتئاب على الخروج إلى ساحة السجن والدخول في شجار مع الآخرين، إذ يزيد ذلك من مدة عقوبته.
الفكرة من كتاب الجنون في غياهب السجون: أزمة الصحة العقلية خلف القضبان ودورنا في مواجهتها
يرى المؤلف أن وظيفة السجون هي الإصلاح، لكن الواقع يقول إن السجون لم تعُد تسعى إلى إصلاح السجناء، كما أنها لا تمنحهم احتياجاتهم الأساسية، ولا تمنح الضعفاء منهم الحماية اللازمة، هذا إلى جانب ما تفرضه السجون من قيود بلا داعٍ وعلى نحو مذل على السجناء العاقلين أو المصابين باضرابات عقلية خفيفة، مما يدفعهم في الغالب إلى الجنون، ويضرب المؤلف أمثلة عديدة على تأثر السجناء سلبيًّا نتيجة الإهمال والقسوة والأخطاء العلاجية من خلال قدرته على دخول السجون بحرية والتواصل مع السجناء دون قيود، ليعرض لنا أنواع الاضطرابات العقلية التي تتولد داخل السجون، والتي تزيدها السجون فيصاب السجين بالجنون.
مؤلف كتاب الجنون في غياهب السجون: أزمة الصحة العقلية خلف القضبان ودورنا في مواجهتها
تيري كوبرز: طبيب نفسي، ويعمل مدرسًا في كلية الدراسات العليا لعلم النفس بمعهد رايت في بيركلي، وهو زميل الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين ورئيس جمعية إيست باي للطب النفسي. من مؤلفاته:
Revisioning men’s lives
solitary: the inside story of supermax isolation and how we can abolish it
معلومات عن المترجمة:
أميرة علي عبد الصادق: مترجمة مصرية، تخرجت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن جامعة عين شمس، عملت بعد تخرجها في مجال الترجمة والتعريب، كما عملت مع عدد من دور النشر. من ترجماتها:
الدرجات الست وأسرار الشبكات.
الهندوسية مقدمة قصيرة جدًّا.
السرطان مقدمة قصيرة جدًّا.
الطرق على أبواب السماء.