لماذا نحن هنا؟
لماذا نحن هنا؟
ما وظيفة الإنسان على هذه الأرض؟ للإجابة عن هذا السؤال فإننا نجد اتجاهين:
الأول: الاتجاه المدني، ويرى أن وظيفة الإنسان هي العمارة الماديّة، وكل شيء سوى ذلك يخدم هذه الغاية، فالوحي والعبادات والشرائع وسائل تُحقق تلك العمارة، أما الاتجاه الثاني: الاتجاه الشرعي الذي يرى أن وظيفة الإنسان هي العبودية، أي أن الله عز وجل أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد الناس ربهم، ويجب أن يُستعان بما نحتاج إليه في الدنيا لنصل بها إلى العبودية لله، فالحضارة والعمارة مجرد وسيلتين لنُقيم الشعائر والشرائع ويظهر هذا الدين.
فإننا نجد أن القرآن الكريم أسس مركزية الآخرة في مقابل مركزية الدنيا، ولم يأتِ بأولوية العمارة الماديّة، فالدنيا في التصوّر القرآني وسيلة للآخرة، وكل الموارد والإمكانيات في حقيقتها ابتلاء للناس، يقول تعالى ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
ويحاول غلاة المدنية الاستدلال ببعض آيات القرآن لخدمة أفكارهم، فيذكرون قوله تعالى ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ والحقيقة أن معنى استعمركم هنا لم يأتِ لكونه مطلبًا شرعيًّا، فسياق الآية جاء بمعنى الامتنان لا الحث والطلب، فقد وردت الآية في قوم ثمود، وكما هو معروف فإن قوم ثمود لم يقصّروا في العمارة المادية.
ويذكرون قوله تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ فيستدلون بهذه الآية على “خلافة الإنسان”، والتفسير الراجح لهذه الآية في معنى “خليفة” أي خلافة الآدميين بعضهم بعضًا أي بمعنى التعاقب، حتى وإن كان معنى الخلافة كما يعتقد غلاة المدنية، فإن من أعرض عن الوحي فقد سُلب منه شرف الخلافة، فحقيقة الاستخلاف في تحقيق العبودية في الأرض وطاعة الله عز وجل، يقول تعالى ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ﴾
الفكرة من كتاب مآلات الخطاب المدني
“رأيت إسلامًا بلا مُسلمين” هذه المقولة المعروفة التي تتردد كثيرًا على ألسنة عامة المسلمين، ما مدى صحّتها؟ وما الدوافع التي تشكّلت لتقريرها بين المجتمعات المُسلمة؟
إن الكثير من الخطابات المنتشرة بين عامّة المسلمين تحتاج إلى الوقوف على حقيقتها ومآلاتها، فقد تبدو في ظاهرها لا شيء عليها، إلا أن أصولها ترتكز على الكثير مما يناقض الوحي، وسبب عدم الشعور بذلك هو ضعف الرجوع إلى الوحي في تحكيم كل خطاب، وعدم الرجوع إلى الوحي في التشكيل الفكري.
لذا يأتي الكتاب في محاولة لتحليل وكشف “الخطاب المدني” ويُقصد به الخطاب المنهزم أمام الثقافة الغربية، الذي يحاول تفريغ الإسلام من مضامينه ليوافق هوى الثقافة الغربية، فيأتي الكتاب ليُحكّم هذا الخطاب إلى الوحي، مُبيّنًا كيف يتعارض هذا الخطاب مع أصول الوحي ومضامينه.
مؤلف كتاب مآلات الخطاب المدني
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
سلطة الثقافة الغالبة، الماجريات، الطريق إلى القرآن.