لماذا نجحوا وفشلنا نحن؟
لماذا نجحوا وفشلنا نحن؟
ذات يوم ناقش الدكتور يوسف إدريس أحد الاختصاصيين الكبار في اختبارات الذكاء بلندن، فوجد الاختصاصي يمتدح نسبة ذكاء الطفل المصري ويصفها بالأعلى عالميًّا، لكنها للأسف بعد سنوات الطفل الأولى تبدأ تنخفض، بينما تزداد نسب ذكاء آخرين عندما يكبرون! السر في ذلك أن الطفل المصري يُولد بمخزون وراثي هائل من حضارته العريقة، لكنه مخزون يُهمل ويُترك فيتدهور عكس الشعوب الأخرى التي تحظى بنصيب قليل من الذكاء وراثةً، لكنهم يعتنون بما عندهم فينمو وينضجون فيكون إنتاجهم أعلى من عندنا، ولكي يصبح الذكاء فعالًا لا بدَّ من تنميته عن طريق الذكاء الجماعي فلا يكفي أن يكون موروثًا فحسب.
وهذا ما يفسر لنا اللغز الآسيوي بسهولة، إذ إنه بالرغم من أن الإنسان الآسيوي أقل ذكاءً من المصري أو لنقل إنه متوسط الذكاء، لكن هذا المستوى عنده موجود في مجتمع متكامل ذكي وهو ما تحتاج إليه صناعة الحضارات الآن أكثر مما تحتاج إلى الذكاء الفردي، فلقد مضى “عصر الفلتات”، وها هو الجيش الفيتنامي أغلب أفراده من الفلاحين الأميين لكنهم لقنوا الجيش الأمريكي دروسًا لن تُنسىى، فالذكاء وحده لا يكفي، ولا حتى التعليم بذاته قادر على حل مشكلاتنا، بل لا فرار من العمل الشاق وبجدية وطموح قوي. وليست آسيا كلها على ذلك النمط الناجح بالطبع فثمة هناك مناطق وشعوب لم تدخل التاريخ الحديث بنجاح بعد، لكنها ستصل يومًا ما لأن النجاح الآسيوي مُعدٍ ويتفشى ويتكاثر.
إن سر المجتمعات الناجحة يكمن في تعدديتها لا في وحدتها التامة كما نعتقد، وآسيا في نفسها تختلف؛ فالصين في أوج شيوعيتها بينما تكتسي اليابان برداء رأسمالي، والهند في ذاتها طوائف شتى وجماعات مختلفة لكنها ناجحة مع كل ذلك، لأنها تعمل بروح الجماعات الصغيرة لا بالأفراد، ولا بإدماج كل الطوائف في مجتمع واحد فتُزال معالم التميز والتفرد عند الجماعات الصغيرة كما عندنا، بل يتكون المجتمع الهندي من مجتمعات ووحدات أصغر تعمل بذكاء.
الفكرة من كتاب اكتشاف قارة
مقدِّمة
في رحلة الدكتور يوسف إدريس إلى آسيا لحضور أحد المؤتمرات والتعرف على ثقافة المنطقة وحضارتها كتب هذا الكتاب ناقلًا لنا مشاهد تلك القارة وخصائصها وطباعها وشخصية أهلها، وهو على ذلك يعقد مقارنات بينها وبين الشرق الأوسط والغرب، فلا يتحدث عن معالم الأمكنة والمزارات بل عن الإنسان نفسه؛ فيمزج التاريخ بالحاضر ليتنبأ لنا بالمستقبل.
مؤلف كتاب اكتشاف قارة
يوسف إدريس (1927- 1991): روائي وكاتب وصحفي مصري، درس الطب وعمل طبيبًا بقصر العيني، ثم صحفيًّا بجريدة الجمهورية ثم بالأهرام، حصل على وسام الجمهورية 1963م، وله رحلات إلى مختلف بلدان العالم.
ألف العديد من الكتب، ومن أبرزها:
البطل.
نيويورك 80.
شاهد عصره.
أرخص ليالي.
أهمية أن نتثقف، يا ناس.