لماذا لا ينجح التعليم المجاني؟
لماذا لا ينجح التعليم المجاني؟
في السنوات الأخيرة ظهر اهتمام كبير بالتعليم، وبالأخص التعليم الأساسي بالدول الفقيرة كوسيلة ضرورية لرفع مستوى المعيشة وكسر حلقة الفقر، فشرعت المؤسسات الحكومية وغيرها في بناء المدارس في المناطق المزدحمة بالسكان، الواقع هو أن نتيجة هذه الجهود لم تكن قفزة هائلة في مستوى التعليم والوعي الجماعي أو التحسن الملحوظ في الوضع الاقتصادي للفقراء كما كان يُرجَى، بل ظهرت نسب عالية من الانسحاب من الدراسة قبل التخرج ولم تحقق المدارس الجودة المطلوبة لصُنع فارق في سوق العمل، ما هو التفسير إذًا؟ هل تتحقَّق مغالطة التكلفة الغارقة هنا أيضًا؟ قد يفسِّر ذلك لماذا تحقق المدارس الخاصة نتائج أفضل من المدارس المجانية في المتوسط، ولكن الكتاب يتحدث عن تجارب تطوُّعية لتعليم الأطفال ضعيفي المستوى في معسكرات صيفية نجحت بالفعل في تعليم هؤلاء الأطفال وتحقيق ما فشلت المدرسة في عمله، المشكلة إذًا تكمن في الهدف من التعليم، ففي المدارس الحكومية يلتزم المدرسون بمناهج تعليمية الهدف منها مساعدة صفوة الطلاب وتدريبهم على اجتياز الاختبارات النهائية، بينما يتعرَّض الطلاب أصحاب المستويات المتوسطة والضعيفة للتهميش بسبب الاعتقاد الشائع أنهم غير قادرين على النجاح والذي يتحوَّل إلى نبوءة محققة.
ينتقل الكتاب إلى الحديث عن عدد أفراد الأسرة وكيف يؤثر ذلك في فرصة الطفل لتلقي التعليم، فعلى الرغم من أن فكرة توزيع موارد محدودة على عدد أكبر توحي أن نصيب الفرد الواحد لا بد أن يقل بزيادة عدد أفراد الأسرة فيما يعرف بنظرية “المقايضة بين الكمية والجودة” لعالم الاقتصاد “جاري بيكر”، فإنه لا يوجد ما يُثْبِت أن الأطفال في الأسر الأصغر حجمًا يَتَلقَّون تعليمًا أفضل من هؤلاء في الأسر كبيرة الحجم في عدد من الدول مثل إندونيسيا وساحل العاج وغانا، وبالتالي فلا يمكن تعريف علاقة بسيطة تربط بين المُتَغَيِّرين، لأن هناك عوامل أخرى قد تؤثر في مقدار الاستثمار في تعليم الفرد منها فكرة التهميش التي تحدثنا عنها سابقًا أو وجود ضمان اجتماعي للوالدين من عدمه، وكذلك أيضًا الثقافة والثوابت الاجتماعية التي يمكنها التأثير في القرارات الأسرية مثل الإنجاب والإنفاق وغيرهما، ويرى الكاتبان أن هناك علاقة تعويضية بين حجم الأسرة والمقدرة على الادخار، وعليه فإن أفضل وسيلة لتنظيم الأسرة هي أن يتوافر للوالدين ضمان اجتماعي بصورة مستقلة عن أطفالهما.
الفكرة من كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
بين تلك الصور النمطية ونظريات اليمين واليسار السياسي فيما يتعلق بسياسات محاربة الفقر، يقوم هذا الكتاب بمناقشة الوضع الحقيقي الذي يعيشه الفقراء في العالم، فمن خلال المعلومات والأدلة المستمدة من تجارب حقيقة وإحصائيات دقيقة، يحاول الكتاب أن يشرح الواقع من خلال تقديم نماذج أكثر تفصيلًا تصلح للدراسة المنهجية، واستنتاج الأسباب التي تدفع بالفقراء إلى اتخاذ قرارات وانتهاج سلوكيات تجعل الفرار من الفقر ورفع المستوى الاجتماعي شيئًا أقرب إلى المستحيل؛ ومن خلال هذا الفهم الشامل للمشكلة يمكننا أن نبادر بخطوات إيجابية لبناء عالم أفضل للجميع حتى ولو تطلَّب الأمر الكثير من الجهد والمحاولة.
مؤلف كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشاكل التي تواجه الفقراء في العالم، حيث قام الكاتبان بالمساعدة في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، والذي يختص بإجراء تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية.
قام الكاتبان بنشر كتاب آخر متعلق بنفس الموضوع هو “اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة”.
معلومات عن المترجم:
أنور الشامي: هو صاحب الترجمات “خرافة ريادة الأعمال”، و”شغف المغامرة”، و”البداية”.