لماذا تقرأ؟ نفسٌ متقلبة
لماذا تقرأ؟ نفسٌ متقلبة
كما تختلف الغايات والأهداف المرجوة من القراءة، فكذلك تتعدد البواعث والرغبات التي تحفز النفس لها وتحببها إليها، فيرى الفيلسوف “برناردشو” أن القراءة هي المتنفس الذي يُفني الإنسان رغباته فيه، فالقراءة حول الغرائز الخبيثة والأفعال القبيحة تُقلل أثر هذه الغرائز وتُخفف من وطأة الرغبات القبيحة، وكذلك تفعل القراءة في الكتب المعنية بالمثل العليا والأخلاق السامية، فيرى هذا الفيلسوف أن على المرء أن يُكثر من الأولى ويُقلل من الثانية، وقد يتخذ آخر من القراءة لغيره والاطلاع على أفكاره بديلًا من أفكاره، فيعتري عقله الكسل والفتور، وربما لو لم يقرأ لكان فكره أسلم وعقله أنفذ، لكن يصح هذا على القراءة التي يُقصد بها ملء الوقت، ليس القراءة الفاعلة المُنتجة، وآخرون يدفعهم الشعور الغامض والرغبة في التعرف على دواخلهم، إلى قراءة يبحثون فيها عن وصف صادق لهذه المشاعر، وتتعدد البواعث بتعدد المُجيبين عن هذا السؤال.
أما بالنسبة إلى المازني فكانت القراءة هذا كله، هي زاده وقت فراغه أو شغله، ونافذته على الدنيا، يرى من خلالها التجارب البشرية التي تقصر عنها حياته، وهي أيضًا زاده للكتابة، وكان المازني من النوع الذي يكتفي بإحدى المصيبتين، فإما أن يكتب وإما أن يقرأ، فيقرأ ما شاء الله له، حتى إذا شعر من نفسه الكفاية ومن عقله الامتلاء، أدرك أن وقت الكتابة قد حان حتى يرمي هذا العبء عن كاهله، وكانت عادته في الكتابة ألا يشرع فيها إلا إذا حان الموعد، ووقف الناشر على باب غرفته، وذلك إن لم يكن لكسله المعتاد، فلأن حالته النفسية قلما تظل على حالها في أثناء الكتابة، فيحدث أن يكتب قصة أو مقالة، ثم إذا جاء موعد التسليم، وجد نفسه على حال غير التي كانت، فلا يروقه هذا الذي كتب، فيعيد الكتابة على هذه الحال الجديدة، ولماذا كل هذا العناء؟ فليكتب في الوقت الضائع ولا حرج على مثل المازني في ما سيكتب ولو كان على عجل.
الفكرة من كتاب العمر الذاهب: رحلة المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة
هذه السيرة ليست كما اعتدنا من سير الأعلام والكتاب، فقليل من الأدباء من يمتلك هذه الصراحة التي لم يتحرج المازني من بثها في جميع مقالاته، فنراه كثيرًا ما يتطرق إلى كتابته، فيذكر ندمه على كثير مما كتب وتعجبه من إشادة القراء بما يكتب، ثم هل يجرؤ كاتب في بداية القرن العشرين أن يُصرح بعدم فهمه للفلسفة؟ ومعرفته لفضل أساتذته وأقرانه حتى من باعد الخلاف بينه وبينهم؟ وإنك على مدار الكتب لتجد من هزله ما تحسبه جدًّا، ومن فكاهته ولا مبالاته وسخريته ما يُحيرك، فلا تخلط هذا بذاك، وتوخَّ المعنى البعيد الذي تكشفه طريقته في المبالغة وفهمك لطبيعة شخصيته.
وقد تحرى مُعد هذا الكتاب أن تكون جميع المقالات حول ما اتصل بالقراءة والكتابة وشؤونهما في مؤلفات المازني، فيكون الكتاب أقرب إلى تصنيف الأدب وأشبه بسيرة ذاتية تصف أحوال صاحبها وتعكس روحه وتتتبع آراءه وتجربته.
مؤلف كتاب العمر الذاهب: رحلة المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة
إبراهيم عبد القادر المازني: شاعر وأديب وصحفي، وُلد المازني عام 1889م بمحافظة القاهرة، بعد تخرجه في المدرسة الثانوية رغب المازني في دراسة الطب، لكنه عدل عنه إلى الحقوق ثم انتهى به الأمر في مدرسة المعلمين، اشتغل بالتدريس بعد تخرجه، لكنه ضاق بقيود الوظيفة وآثر الصحافة، عُرف عنه أسلوبه الساخر الرشيق الذي ينتمي إلى السهل الممتنع، كما كان بارعًا في الإنجليزية ونقل عديدًا من أشعارها إلى العربية. من مؤلفاته:
صندوق الدنيا.
حصاد الهشيم.
عود على بدء.
رواية إبراهيم الكاتب، بجزئها الثاني: إبراهيم الثاني.
معلومات عن المُحرر:
عبد الرحمن بن حسن قائد: نال درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية، ثم حصل على الدكتوراه، قرأ على طائفة كبيرة من العلماء في مختلف الفنون ولازم بعضهم وحفظ جملة من المتون العلمية، عمل أستاذًا للحديث وعلومه في المركز العلمي لتعليم القرآن والسنة بجدة (تحت إشراف جامعة أم القرى)، كما شارك في مشروع آثار ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي والمعلمي الذي أشرف عليه الشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، عمل محققًا ومراجعًا ومصححًا من سنة 1423م حتى اليوم.
من تحقيقاته:
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن القيّم.
الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيّم.