لماذا أكتب؟
لماذا أكتب؟
نختم بالمقال الأشهر، والذي سمي الكتاب باسمه، وقد نشر للمرة الأولى في صيف عام 1946، في المقال يقول أورويل إنه قد عرف أنه سيتعيَّن عليه أن يكون كاتبًا ربما منذ كان في الخامسة أو السادسة من عمره، فقد كان طفلًا وحيدًا اعتاد اختراع القصص وخوض حوارات مع أشخاص خياليين، ويختلق في ذهنه قصة مستمرة عن نفسه غالبًا تعكس أسلوب الكاتب الذي فضله في هذه المرحلة.
كذلك يصف جورج أربع طبقات مختلفة من دوافع الكتاب للكتابة، بعد وضع الحاجة إلى كسب العيش جانبًا، أما الأولى فهي حب الذات الصرف، حيث يرغب المرء أن يبدو ذكيًّا، وأن يتحدث الناس عنه بعد موته، ثم يأتي الدافع الثاني، وهو الحماس الجمالي، أو إدراك بديع جمال العالم والرغبة في وصفه بكلمات مرتبة ومشاركة هذا الشعور مع الآخرين، أما السبب الثالث فهو الحافز التاريخي، والرغبة في اكتشاف الحقائق كما هي وحفظها من أجل الأجيال القادمة، وأخيرًا الهدف السياسي، وهو يشمل الرغبة في دفع العالم والمجتمع في اتجاه معين.
ماذا أراد جورج أورويل أن يكتب إذن؟ في البداية يقول أورويل إنه يريد أن يكتب ما وصفه بـ”الكتب الطبيعية الضخمة ذات النهاية غير السعيدة والأوصاف المفصلة”، ويوضح أنه يميل إلى الدوافع الثلاثة الأولى للكتاب على حساب الدافع السياسي، لكن الحرب الإسبانية أدارت الكفة فأصبح كل ما يكتب ضد الشمولية ومؤيدًا للديمقراطية الاشتراكية بطريقة أو بأخرى، وأصبح هدفه أن يجعل من الكتابة السياسية فنًّا.
هنا أصبح يكتب ليس أعمالًا فنية، وإنما انطلاقًا من الوعي بالظلم، لأن هناك كذبة يريد فضحها أو حقيقة يريد إلقاء الضوء عليها، ومع ذلك فإنه لا يراه ممكنًا أن يتخلى عن منظوره للعالم كما وجده كطفل، فهو لا يزال يريد أن يجد البهجة في الأغراض الصلبة وقصاصات المعلومات غير النافعة.
الفكرة من كتاب لماذا أكتب؟
عندما وصل جورج أورويل في عمر الثامنة إلى مدرسة كروس جيتس، بدأ الطفل في تبليل سريره ومن ثم تلقى العقوبات من ناظر المدرسة السيد سيمبسون الملقب بـ”سيم” وزوجته السيدة سيمبسون الملقبة بـ”بينجو”، وقد تعلَّم جورج من هذه التجربة في صباه ما وصفه بالدرس الدائم، والعظيم أنه كان في عالم حيث لا يمكن أن يكون صالحًا، أما الأثر الثاني لهذه التجربة فقد كان تعلُّمه القبول بالذنب لجرائم لا تخصُّه، وهو شعور بقي يسترجعه وظل موجودًا بذاكرته ربما لعشرين أو ثلاثين سنة.
ومن هذه التجربة كذلك يقول أورويل إن العبث في ذكرياتنا الخاصة يعلِّمنا أن رؤية الطفل للعالم هي رؤية مشوَّهة، آمنَّا فيها بالكثير من التفاهات التي دفعتنا إلى المعاناة لأن الآخرين يستغلون ضعف الصغار وسرعة تصديقهم فيصبُّون عليهم الشعور بالدونية والخوف.
هذه التجربة هي التجربة الأقدم من بين تجارب عديدة وخبرات وآراء كثيرة يرويها لنا جورج أورويل في مقالاته المجمَّعة معًا في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب لماذا أكتب؟
جورج أورويل: هو الاسم المستعار الذي استخدمه الصحفي والروائي البريطاني إريك آرثر بلير واشتهر به خلال مسيرته الأدبية، ولد أورويل في ولاية بيهار الهندية لعائلة من الطبقة المتوسطة، حيث كان يعمل والده في الإدارة المدنية البريطانية هناك، لكنه انتقل بعد ذلك إلى إنجلترا.
درس جورج أورويل في مدرسة إيتون، لكنه لم يتخرَّج فيها حيث اتبع تقاليد عائلته، وانتقل إلى بورما للعمل كمساعد مشرف في الشرطة الإمبراطورية الهندية، وكان لهذه التجربة دور كبير في التأثير في فكره وأعماله الروائية فيما بعد، وقد تزوَّج أورويل من الكاتبة البريطانية إيلين بلير، أو الشهيرة بسونيا أورويل، وله ابن واحد هو ريتشارد بلير.
تُوفِّي الروائي الشهير عن عمر 46 عامًا في أحد مستشفيات لندن بعد صراع مع مرض السل، وقد ترك من خلفه عددًا من المؤلفات المؤثرة في الأدب العالمي، حيث ترجمت إلى العديد من اللغات وأشهرها روايات “1984”، و”مزرعة الحيوان”.
معلومات عن المترجم:
علي مدن: هو كاتب ومترجم بحريني مهتم بالدراسات الثقافية والسينما من مواليد عام 1986، وعمل علي مدن معدًّا للبرامج في تلفزيون البحرين، ونشرت له العديد من الأبحاث والمقالات والترجمات في الصحف البحرينية والخليجية، كما صدر له كتاب “زيارة إلى صالة فارغة”، وترجمة للأعمال القصصية مثل: “نزهة في فناء البيت الأبيض”، إضافةً إلى ترجمته لكتاب “لماذا أكتب؟” لجورج أورويل.