لماذا أصبحت السطحية منهاج حياة في عصر الإنترنت؟
لماذا أصبحت السطحية منهاج حياة في عصر الإنترنت؟
كثير منّا في الماضي كان من السهل عليه أن يستغرق في قراءة كتاب أو مقال مطوّل دون ملل أو كلل، لكن الآن وبسبب شبكة الإنترنت نجد أنفسنا نسرح بخيالنا بعيدًا بعد قراءة صفحة أو صفحتين، ويخيم علينا الملل، ما يدفعنا للبحث عن شيء آخر لفعله، ومن ثم أصبحت القراءة المتعمقة مهمة شاقة، وصرنا نمر على النصوص سريعًا دون تعمق أو تركيز، والسبب في ذلك يرجع إلى شبكة الإنترنت التي أصبحت القناة التي تمر من خلالها المعلومات إلى عقولنا، لكن هذه الميزة التي تلقى استحسانًا، تعمل على تقليص قدرتنا على التركيز والتأمل، ومن ثم بعد أن كنا غواصين في الأعماق أصبحنا ننتقل بسرعة على السطح كمن يقود دراجة مائية.
وبناءً على ذلك، صار من الواضح أننا وصلنا إلى نقطة هامة في تاريخنا الثقافي والحضاري، وهي نقطة انتقال بين طريقتين مختلفتين في التفكير، فنحن نتخلى عن “عملية التفكير الخطي” التي تتسم بالهدوء والتركيز والعمق، لتحل محلها عملية جديدة من التفكير تعتمد على دفعات من المعلومات الصغيرة المنفصلة، السريعة، المتصفة بالتشتت. إن الدماغ البشري ليس بالآلة الصمّاء، فالمكونات الخلوية لا تلعب أدوارًا نمطية، بل هي مرنة، فهي تتغير بالتجارب والظروف والحاجات، وأكثر هذه التغيرات دهشة وروعة عندما يصاب الجهاز العصبي بتلفٍ ما، إذ تُظهر التجارب على سبيل المثال أن الجزء المسؤول عن معالجة المحفزات البصرية لا يكون خارج نطاق الخدمة عندما يُصاب الشخص بالعمى، بل سرعان ما تستحوذ عليه الدارات المعنية بمعالجة المحفزات السمعية، وبسبب قدرة الخلايا العصبية على التكيف بشكل سريع، يمكن لحاسة السمع أن تزداد حدة من أجل تخفيف الضرر الناتج عن فقدان حاسة البصر، وبناءً على ذلك فإن أدمغتنا تتكيف مع التغيرات البسيطة في سلوكياتنا والظروف المحيطة بنا، ومن ثم فإن جيناتنا لا تحدد طرق تفكيرنا وإدراكنا وتصرفاتنا بشكل تام، فنحن نغيرها من خلال الطريقة التي نعيش بها والوسائل التي نستخدمها.
ليس هذا فحسب، فإن التجارب تُظهر أيضًا أن الدماغ يمكنه أن يُنشئ دارات عصبية جديدة، أو يعمل على تقوية الدارات الموجودة من خلال الممارسة البدنية أو العقلية، ومن ثم ففي حال توقفنا عن ممارسة مهاراتنا العقلية، فإننا سوف ننساها، كما أن المساحة المخصصة لها سوف تتجه إلى خدمة المهارات التي نمارسها بدلًا منها، وكلما كان التوقف طويلًا، كان من الصعب العودة إلى الحالة السابقة.
الفكرة من كتاب السطحيون.. ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا
عندما تظهر أي وسيلة إعلام جديدة لنقل المعلومات، فإن الناس ينشغلون بالمحتوى الذي تنقله ويختلفون ويتناقشون حوله، فمثلًا يهتمون بالأخبار التي تنقلها الصحف، والبرامج التي ينقلها التلفاز، والكلمات التي ينقلها الطرف الآخر عبر الهاتف، فتتوارى التقنية ذاتها خلف المحتوى الذي تنقله، وجاءت شبكة الإنترنت لتكون آخر وسيلة تثير النقاش والخلاف، فالبعض يبشِّر بعصر ذهبي لإمكانية الوصول إلى المعلومة ومشاركتها، والبعض الآخر يشكك وينذر ببدء عصر من الظلام تخيم عليه الضحالة والنرجسية
وبين هذا وذاك يغيب عن الأذهان أن التقنية تُغيِّر أنماط الإدراك دون أي مقاومة من مستخدميها، لدرجة أننا لا نلاحظ ما يجري داخل رؤوسنا، وفي الوقت نفسه نظن أننا نُمسك بزمام الأمور لنُرضي كبرياءنا، مع أن الواقع يخبرنا أن شبكة الإنترنت أصبحت السيد والخادم في آنٍ واحد، ومن هذا المنطلق يأتي هذا الكتاب ليكشف لنا المخاطر المُحيطة بالإنسان في ظل الإنترنت والمجتمعات الرقمية التي سلبت الإنسان واقعه المادي الملموس، ودفعته دفعًا إلى عالم رقمي مليء بالأوهام والأمراض والاستلاب.
مؤلف كتاب السطحيون.. ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا
نيكولاس كار: هو كاتب أمريكي حاصل على الماجستير في الإنجليزية والأدب الأمريكي من جامعة هارفارد، له مقالات وكتب عديدة حول التقنية والأعمال والثقافة. من مؤلفاته:
The Glass Cage: How Our Computers Are Changing Us
The Big Switch: Rewiring the World, from Edison to Google
Utopia Is Creepy: And Other Provocations
معلومات عن المترجم:
وفاء م. يوسف: هي كاتبة ومترجمة قانونية بمركز ترجمة اللغة الإنجليزية بجامعة البحرين. من ترجماتها:
الثراء للأزواج الأذكياء.
السطحيون.