لماذا أخفق الوعد بالسعادة؟
لماذا أخفق الوعد بالسعادة؟
يُرجِع فروم السبب إلى أن العصر الصناعي بنى وعده على مقدمتين نفسيتين أساسيتين: إحداهما، أن السعادة هي الهدف الوحيد للحياة، ما يعني وجوب تحقيق أقصى متعة للإنسان، والعمل على إشباع كل رغباته وحاجاته الذاتية، فتم بذلك حصر السعادة في مذهب اللذة، والأخرى، أن الرفاهية والسلام والانسجام لن تكون إلا من خلال الأنانية وتنمية روح الجشع والاكتناز والسعي نحو تحقيق المصالح الشخصية والمنفعة الفردية، فأصبحت كلمة الكسب لها معنى واحد، وهو الكسب المادي والربح النقدي، ولم يعد هناك وجود لمفهوم الكسب الروحي!
وبالتالي، فالطبقة المتوسطة لم تقم بتحطيم أغلالها السياسية وحسب، بل قامت أيضًا بتحطيم كل الروابط والعلاقات الاجتماعية، فلم يعد هناك حب ولا تكافل ولا تعاون بين الناس، وأضحت حياة الفرد منحصرة في العيش من أجل ذاته ونفسه فقط، فنجد “هوبز” يصف السعادة بأنها الانتقال المستمر من شهوة إلى أخرى، ونجد “لا ميتري” يرى مشروعية أن يتعاطى الإنسان المخدِّرات لأنها تشعره بنوع من السعادة ولو كانت وهمية، ونجد “دي ساد” الذي رأى في السادية أمرًا مشروعًا كونها تقوم على إشباع دافع القسوة والعنف عند الإنسان، وبذلك أصبح كل دافع ورغبة لدى الإنسان (مهما كانت فاسدة) لا بد من إشباعها للوقوف على السعادة، فثبتَ بذلك فشل كلٍّ من القاعدتين النفسيتين، فالأنانية تعني الحصول على كل شيء لنفسك، إذ إن المتعة في الاقتناء وليست في المشاركة، بينما الجشع يعني أنك تكون أكبر كلما امتلكت المزيد والمزيد، فيترتَّب على كلٍّ من الأنانية والجشع أن تحسد وتحقد على من يملك أكثر منك، وتخاف ممن يملك أقل، وتقضي على من ينافسك، وبالتالي يترسَّخ شعور أنك خصم للجميع، فتعيش حياتك في قلق وخوف دائمين!
الفكرة من كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
المجتمع عند فروم يتصارعه نمطان للعيش في هذه الحياة، نمط يقوم على “التملك” حيث الاستهلاك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ وامتلاك الأشياء، وكذلك الرغبة في الشهرة والسلطة التي تحقق السيطرة على الآخرين، هذا النمط الذي يجعل الإنسان (ناقص الإنسانية)، ونمط آخر هو نمط “الكينونة” والوجود حيث اهتمام الإنسان بعلاقته مع البشر والارتقاء أخلاقيًّا وروحيًّا لتحقيق (كمال الإنسانية)، ومجتمعاتنا المعاصرة يهيمن عليها نمط التملك، ما يعني أن هناك كارثة تحيق بالإنسان تدفعه نحو الهاوية نفسيًّا وبيئيًّا، وأن البديل الوحيد لتجنُّب الكارثة وعدم السقوط في الهاوية هو العيش وفق “نمط الكينونة”.
مؤلف كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
إريك فروم ، هو عالم نفس وفيلسوف وناقد اجتماعي ألماني، تعلم في جامعتي هيدلبرج وميونيخ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هيدلبرج عام 1922 في علم النفس، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واشتغل في التدريس في الولايات المتحدة والمكسيك، له عدة مؤلفات، منها: “الإنسان بين الجوهر والمظهر”، و”الخوف من الحرية”، و”كينونة الإنسان”.