للغة استعمالات أخرى
للغة استعمالات أخرى
الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة يأنس بوجود بشر من حوله يختلط بهم ويتعامل معهم ويتحدث إليهم، مستعملًا في ذلك الملكة اللغوية والمفردات التي تكونت لديه منذ الصغر ولا تزال تتزايد حصيلتها لديه يومًا بعد يوم، فاللغة هي وسيلة التخاطب الأولى التي تقوم عليها عملية التواصل البشري، وهي من السعة بمكان بحيث تُوَظف كما تُوَظف الماديات تمامًا لغرض شريف أو لغرض خسيس أو لأي غرض يريد المتحدث أن يوصله إلى الطرف الآخر، وهذا التواصل هو المحرك وهو الشرارة الأولى التي تُبنى عليها عملية التفكير، باختصار، أنت توجهني للتفكير في ما تريده أنت إيصاله إليّ من خلال أسلوب وطريقة استخدامك للغة.
بناء على هذا فإن هناك طرقًا عدة لاستعمال اللغة لإيصال غرض أو فكرة أو شعور معين أو حتى لمجرد الاستفهام، والخلل في التفكير ينشأ من الخلط الذي يحدث بين هذه الطرق، نذكر منها هنا الخلط الذي يحدث عند التعبير عن أمر واقع من خلال استخدام صيغة انفعالية لتوصيل رسالة ما، ويظهر هذا الخلط واضحًا جليًّا في الأغراض السياسية وفي الخطب الانتخابية وفي الحرب وفي المقالات والإعلانات بل وفي الدين أيضًا، وبالمثال يتضح المقال: فمثلًا المنتمون إلى حزب معين إذا استمعوا إلى خطبة مرشحهم تجدهم يطلقون عليه أوصافًا كـ”محنك، فصيح، بليغ”، وحين يستمعون إلى خطبة خصمه يطلقون عليه أوصافًا كـ”متحذلق أو متصنع”، المشكلة هنا ليست في إطلاق الأوصاف وإنما في ما يترتب على ذلك من توجيه الفكر نحو اللغة نفسها أو الوصف نفسه، دون السماح للعقل بأن يُخضع ذلك الخطاب للتحليل فيحكم عليه حكمًا موضوعيًّا ابتغاء الحق، سواء كان الطرف الآخر عدوًّا أو صديقًا، وخصوصًا في الموضوعات التي تحتاج إلى اتخاذ قرار كالأمور السياسية.
من الطرق التي تستعمل أيضًا التعميم في الكلام أو في الحكم، كقولنا “كل سكّان القارة السمراء قراصنة” وهذا حكم ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، وإنما إذا أخضعنا سكان القارة السمراء كلهم للاختبار وأخضعنا غيرهم أيضًا ممن ليسوا من سكانها للاختبار، وقتها فقط تظهر نتيجة هذا الحكم الذي يحتمل الصواب أو الخطأ، وهذا مستحيل طبعا واستقراء كبير جدًّا، لكن في حالة قولنا “من المحتمل أن من يسكن القارة السمراء يكون قرصانًا” هنا تصبح الجملة صالحة للبحث وإجراء الاختبار والاستقراء عليها أيضًا، بل ويدخل في الاختبار والاعتبار عوامل أخرى عديدة، للخروج بنتيجة منطقية قد لاتكون في حسباننا حينما نطلق تلك الأحكام العامة.
الفكرة من كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
ينشأ الخطأ في التفكير ابتداء من الخطأ في فهم الآخر وفهم الطرق والأساليب التي يستعملها في إيصال أفكاره، وفي هذا الكتاب يناقش الكاتب تلك الطرق والأساليب التي تقودنا نحو تفكير مستقيم أو تفكير خاطئ أعوج مستندًا في ذلك إلى عديد من الأمثلة، خصوصًا السياسية منها.
مؤلف كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
الدكتور روبرت هنري ثاولس، أستاذ في جامعة كمبريدج، عمل محاضرًا لعلم النفس في جامعتي مانشستر وجلاسجو، وله مؤلفات في علم النفس منها:
سيطرة العقل
علم النفس العام والاجتماعي
معلومات عن المترجم:
حسن سعيد الكرمي، خريج الكلية الإنجليزية في القدس، والتحق بإدارة المعارف في فلسطين معلمًا للإنجليزية، وعند انتهاء الانتداب البريطاني عمل مراقبًا بالإذاعة البريطانية في لندن، وألف كتبًا باللغة الإنجليزية عن فلسطين.