للآخر الكبير وجه آخر
للآخر الكبير وجه آخر
يَتَّضِحُ أن الشائعات وجهٌ مناقض لـ«الآخر الكبير»، مخالفٌ للعقل والمنطق، لا يؤمن بحقيقته أحد، لكنه يملك مصداقية مُشتَبَهًا فيها ويَلقَى قبولًا من الناس، ومن ثم فإن للآخر الكبير وجهَيْن متناقضَين، الأول يزودنا بالأساس العلمي للمعرفة المعتمدة على العقل والرامية إلى الحقيقة، والوجه الآخر مبني على اللغو، على القيل والقال، ويتصِف بالرسوخ والثبات، فتترك الشائعات أثرًا يستحيل محوه، وبذلك يمكن وصف الوجهَيْن بـ«الآخر الكبير وظِلِّه».
إذًا ما علاقة سقراط بهذَيْن الوجهَيْن؟ لقد هُزِمَ أكثر الرجال حكمة على يد خصم مجهول؛ إنه الشائعات، وقد سعى سقراط جاهدًا إلى هدم الآراء الباطلة، وحَثِّ أصحابها على البحث عن الحقيقة، فكان مثالًا يحتذى به، ولكن الشائعات سَبَّبَت هلاكه فكانت سبب محاكمته وسبب موته، وعَجزَ أمام قوتها، فانتصر وجه الباطل والافتراء على وجه المنطق والحقيقة.
إن الشائعات على الرغم من بطلانها تترك دائِمًا لطخة ملتصقة بمن تُقال في حَقِّه يصعب محوها، بل قد يجد المرء متعة في كونها تمدُّه بالقدرة على استخدام الشائعات كسلاح يُصيب هدفه دائِمًا دون أن تُدَنَّسَ يداه، فتترك وصمة ليس باستطاعة الحجج القوية إزالتها، فيجد الإنسان البريء نفسه في موقف الدفاع سلفًا وتلقائِيًّا، والتاريخ فيه من الأمثلة الكثيرة الشاهدة على قوة الشائعات واستحالة التغلب عليها.
الفكرة من كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
إن للشائعات أثرًا بالغًا لا يخفى على أحد، وهي ظاهرة ليست حديثة العهد بالمجتمعات الإنسانية، بل هي ظاهرة قديمة طرأت عليها تغيرات بتغير المجتمع وتقدمه، ولَمَّا كان الأدب وثيق الصلة بالإنسان وحياته، فقد تطرق الأدباء في أعمالهم لهذه الظاهرة، كما تناولها الفلاسفة بالوصف والتفسير، وكذلك التحليل النفسي، ولم يغفلوا عن «الكذبة البيضاء» وعلاقتها بالثقافة. والطرح التالي يتناول الشائعات والمسائل المرتبطة بها في شكل مراحل تاريخية عَبَّرَت عنها نماذج أدبية.
مؤلف كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
ملادن دولار: فيلسوف ومحلل نفسي سلوفيني، تخرج في جامعة ليوبليانا بعد دراسته اللغة الفرنسية والفلسفة، كما درس في جامعتي «باريس السابعة» و«وستمنستر»، وهو أحد مؤسسي جمعية التحليل النفسي النظري، يعمل في التدريس الأكاديمي وباحث استشاري في أكاديمية «جان فان إيك»، ونشر العديد من البحوث والمقالات العلمية والكتب، ومن أعماله:
A Voice and Nothing More
Opera’s Second Death
ألكينا زوبانجج: فيلسوفة سلوفينية معاصرة، من أعلام مدرسة لوبليانا للتحليل النفسي، وأستاذة في كلية «الدراسات العليا الأوربية» وفي جامعة «نوفا جوريكا»، كما تعمل مستشارة للبحوث، وأستاذة في معهد الفلسفة التابع للأكاديمية السلوفينية للعلوم والفنون. تخرجت في جامعة ليوبليانا بعد دراستها الفلسفة، كما حصلت على درجة الدكتوراه، وهي مُحِِّررة مشارِكة ورئيسة تحرير مجلة نظرية التحليل النفسي والفلسفة والدراسات الثقافية، ومن مؤلفاتها:
Let Them Rot: Antigone’s Parallax
The Odd One In: On Comedy
معلومات عن المترجم:
طارق عثمان: باحث ومترجم مصري، تتمركز اهتماماته حول الفلسفة المعاصرة والعلوم الاجتماعية، وخصوصًا علم النفس، نشر العديد من الدراسات والمقالات العلمية، ومن ترجماته:
حاوي الثورة المصرية: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة.
ما هي الشريعة؟