لغة الساعة
لغة الساعة
إنَّ طريقة تعامل الناس مع الوقت تختلف حسب الثقافة والسياق، وعدم إدراك ثقافة التعامل مع الوقت في مجتمع ما يُحدث كثيرًا من سوء الفهم، فالاتصال بشخص أمريكي أول الصباح أو منتصف الليل يعني مسألة حياة أو موت، في حين أن عاملي سكان إحدى جزر المحيط الأطلنطي لم يروا بأسًا في عرض مطالبهم على مدير المصنع بين الساعة الثانية والثالثة صباحًا!
إنَّ إرسال دعوة حفل قبل موعدها بثلاثة أيام هو أمر يُوجب الاعتذار لدى الأمريكيين، بينما الدعوة لموعد قبل حينه بمدة طويلة أمر غير مفيد وعرضة للنسيان في دول شرق البحر المتوسط، هذه الثقافة التي تُسمى “الفترة الاستباقية” اللازمة للتجهز أو تلبية الطلب مُتعارف عليها في أمريكا ومقدَّسة عندهم. وخمس دقائق تأخير تعد أمرًا تافهًا في دول أمريكا اللاتينية، بل ربما لا يكون من حق المنتظِر أن يبدي امتعاضه إلا بعد مرور أكثر من ٤٥ دقيقة من الانتظار، في حين أنه في ثقافات أخرى ربما عليك الاعتذار لو تأخرت لدقيقة واحدة، أما تأخر خمس دقائق فقد يُضيع عليك فرصة ثمينة. 1
يتعامل العالم الغربي مع الوقت كجزء مادي من الطبيعة كالهواء الذي نستنشقه، وهو شريط ممتد للمستقبل، ويميل إلى التركيز على عمل واحد ووضع جداول صارمة لكل شيء، بل من لا يستطيع جدولة وقته هو شخص غير عملي ويُنظر إليه بازدراء، ولكن في معظم دول أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا يتعاملون مع الوقت بتلقائية ولا مبالاة، وقد يؤدى عمل -يكفيه ربع ساعة لإنجازه- في يوم كامل، ومصطلح “وقت طويل” يعني في أمريكا عشرين سنة أو شهرًا أو يومين، بينما قد يمتد إلى عشرات القرون في دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، تلك النظرة إلى الوقت تجعل المستقبل منظورًا لدى الغربيين ووسيلة للتغيير، وتصبح المشروعات الطويلة المدى صعبة التخطيط، وتهتم الثقافة الأمريكية بدقة المواعيد لدرجة الهوس وتقيمها في مرتبة عالية، وربما تكون من أسباب القرحة وضغط الدم هناك.
الفكرة من كتاب اللغة الصامتة
لو أنك عربي تريد أن تعيش في الولايات المتحدة فلا يكفيك إتقان اللغة الإنجليزية وتناول الغداء في مطاعم الوجبات السريعة، فثمة لغة غير محكية ينبغي لك معرفتها للتكيف مع نمط الثقافة الأمريكية. إنَّ اللغة الصامتة هي انعكاس لسلسلة معقدة ومتشابكة من الاتصالات غير الشفوية، وترجمة لطائفة كبيرة من السلوكيات والإشارات والكنايات وأنماط التعليم والأفكار وأسلوب التعاطي مع الزمان والمكان، والأعراف التي نتعامل بها داخل نظامنا الاجتماعي وتميزه عن غيره بأشياء خلاف الاختلافات الرسمية المُعلَنة. إن اللغة الصامتة ليست وسيلة للتواصل بقدر ما هي طريقة لبناء ثقافة المجتمع وتنظيم أنماط الحياة، ويمكن اعتبارها نقيض العولمة، فهي ليست عالمية بل سمة مُميِّزة للمجتمع والعائلة والفرد!
مؤلف كتاب اللغة الصامتة
إدوارد تي هول : هو أستاذ جامعي متخصص في علم الإنسان، وُلد عام ١٩١٤ وتخرّج في جامعة كولومبيا ومنها حصل على درجة الدكتوراه. درّس في جامعات كثيرة مثل هارفارد ودنفرو ومعهد إلينوي للتقنية، كما خدم في الجيش الأمريكي وعمل في الخارجية الأمريكية. صاغ هول مصطلحات أنثروبولوجية عن علاقة الثقافات والأعراف المختلفة بمفاهيم الزمان والمكان.
من مؤلفاته:
– البعد الخفي.
– Beyond culture.
– The dance of life: other dimension of time.
المترجِمة لميس فؤاد: ترجمت “البعد الخفي” للمؤلف نفسه، و”التحليل النفسي الفوري” لديفيد ليبرمان، و”كيف تحصل على الأفكار” لجاك فوستر.