لغة الإنسان ولغة الحيوان ولغة الآلة

لغة الإنسان ولغة الحيوان ولغة الآلة
عندما نتأمل اللغة من منظورها الصوتي، نجدها مجرًى متواصلًا من الأصوات التي تقسمها عقولنا وحداتٍ صوتيةً قد نميزها كأحرف الأبجدية في اللغات المكتوبة، والمدهش أننا نجد تلك القدرة على التمييز بين الأصوات وتصنيفها ليست حكرًا على البشر، فعديد من الحيوانات، مثل بعض فصائل القرود والببغاوات والفئران، تشاركنا إياها، كما أنها تستطيع تعلم أنماط صوتية معينة، والتمييز بين الكلمات بناءً على موضع الشدة في الكلام، مما يثير تساؤلًا مهمًّا.. إذا كانت الحيوانات تشاركنا هذه القدرات العقلية، فلماذا لا تشاركنا القدرة الإبداعية للغة؟

يكمن الجواب في المعنى، إذ يربط البشر تلك الوحدات الصوتية بمعانٍ محددة يريدون التعبير عنها في شكل كلمات يستقلونها مما يتعلمونه من البيئة المحيطة في الصغر، ويستخدمون قواعد النحو لتكوين جمل ذات معنًى من هذه الكلمات، في المقابل تقتصر لغة الحيوانات -حسب معرفتنا الحالية- على وظيفة الإشارة، إذ يربط الحيوان الأصوات بأشياء معينة، لذا لا يمكن أن نعد الكلمات البشرية مجرد تطور لأصوات الحيوانات، فهي مُنظمةٌ نحويًّا في جمل تربط المعاني بالوحدات الصوتية بطريقة هرمية.
يتعامل عقل الإنسان مع اللغة بشكل هرمي لا يستطيع الحيوان إدراكه، فمثلًا في الجملة الفعلية، يعالج الإنسان الفعل والمفعول به بوصفهما وحدة واحدة بشكل غير واعٍ، بينما لا تستطيع الحيوانات تطبيق هذا التركيب الهرمي على الجمل، مثل الشمبانزي الذي يستطيع ربط الرموز بالمعاني. أما الذكاء الاصطناعي فيعالج اللغة بطريقة مختلفة تمامًا، إذ يعتمد على البيانات الضخمة المتوافرة على الإنترنت للبحث عن الكلمات وربطها بأنماط مشابهة، وعلى الرغم من أن هذا قد يجعله أقوى في بعض الجوانب من البشر، كتعلم اللغات، فإنه كالحيوان، لا يستطيع النظر إلى اللغة بشكلها الهرمي، وهنا بالتحديد تكمن القدرة الإبداعية للغة البشرية.
الفكرة من كتاب لغة بلا حدود: العلم وراء قوتنا الإبداعية الأكبر
إذا سألتك عما تفعله الآن، فقد تكون إجابتك: “أنا أقرأ ملخص كتاب “لغة بلا حدود” عبر تطبيق أخضر”، أو “إنني مستغرق في قراءة ملخص كتاب على أخضر”، أو “إني أطالع تلخيصًا لكتاب عن اللغة على هاتفي”، توجد مئات.. بل ملايين الجمل التي يمكن استخدامها للتعبير عن هذه الفكرة المفردة، ومعظمها لم يسبق لنا سماعه أو استخدامه، فما الذي يمكّننا من توليد هذا الكم الهائل من الجمل بشكل طبيعي دون تعلمها صراحةً؟
الحقيقة أن الإجابة عن سؤال كهذا ليست بالأمر البسيط أبدًا، وللوصول إليها علينا أولًا أن نمر بسلسلة طويلة من الأسئلة الأكثر تعقيدًا: كيف نتعلم اللغة؟ أو كيف نفهمها؟ وكيف يتعامل العقل مع الكلمات والجمل؟ وهل يمكن لأي من أنظمة التواصل الأخرى الموجودة أن تتطور وتصل إلى تعقيد اللغة البشرية؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة ويثير في أذهاننا مزيدًا من التساؤلات، من خلال عرضه الموجز لأهم الأبحاث والنظريات اللغوية التي طُرحت خلال المئة سنة الأخيرة.
مؤلف كتاب لغة بلا حدود: العلم وراء قوتنا الإبداعية الأكبر
ديڤيد أدجر: أستاذ اللسانيات في جامعة كوين ماري بلندن، شغل منصب رئيس جمعية اللسانيات البريطانية السابع عشر، ويُعد خبيرًا في دراسة أصول اللغة وقواعدها وطرائق تعلمها، وقد ألف كتابًا آخر يتعمق في هذه المواضيع تحت عنوان “Core Syntax: A Minimalist Approach”
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.