لحظات فارقة في تاريخ الإسلام
لحظات فارقة في تاريخ الإسلام
مرت السنون، وطالت مخالبُ الإسلام أسودَ الشرك فهزمتها في عرائنها، حتى كمل الدين وتمت النعمة وتلا أبو بكر قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ﴾، فانهار عمر وهوى إلى الأرض.
كان عمر أول من بايع أبا بكر على الخلافة فمكث فيها ما شاء الله له حتى أدركته المَنيّة، فاستخلف عمر وقد راجعه بعض الصحابة لما يرون من غلظته فقالوا: “مَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَر؟” قال: “أَقُولُ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ خَلْقِكَ”، ثم رفع يديه ودعا: “اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا صَلَاحَهُمْ فَوَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَهُمْ وَأَحْرَصَهُمْ وَقَدْ حَضَرَنِي مِنْ أَمْرِكَ مَا حَضَرَ فَاخْلُفْنِي فِيهِمْ فَهُمْ عِبَادُكَ”.
أما عمر فقد رفض الخلافة وقال لأبى بكر: “لَيْسَ لِي بِهَا حَاجَةٌ”، قال: “وَلَكِنْ لَهَا بِكَ حَاجَةٌ”، وقد صدق!
تُوُفِّيَ الصديق وتولى عمر الخلافة في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، ودامت خلافته عشر سنين تحقق فيها قول رسول الله ﷺ: “الحَقُّ بَعْدِي مَعْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ حَيْثُ كَانَ”، فكان عمر أول من كتب التاريخ من هجرة النبي ﷺ بمشورة عليّ بن أبي طالب وأول من جمع الناس على قيام شهر رمضانوجعل بالمدينة قارئين؛ يصلي أحدهما بالرجال والآخر بالنساء، وألقى الحصى في مسجد رسول الله ﷺ حتى لا يؤذيهم التراب، وهدم مسجد رسول الله ﷺ وزاد فيه، وأخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم وكان ملتصقًا بالبيت، وكان أول من اتخذ بيت المال فبدأ بآل رسول الله ﷺ ثم الأقرب فالأقرب وجعله منه كمال اليتيم، إن استغنى استعفف وإن احتاج استقرض.
الفكرة من كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- من كبار الصحابة، أسلم في بداية الدعوة، وهاجر مع رسول الله ﷺ وصحبه كظله، وبشره رسول الله ﷺ بالجنة في غير موضع، ومع ذلك لم يمنعه تاريخه الحافل من أن يأمن مكر الله، فصام الدهر وقام الليل وحمل همّ الأمة، وبكى من خشية الله حتى نحرت دموعه خديه.
مَنّ الله عليه بالخلافة، وفتح له من مشارق الأرض ومغاربها ما لم يُفتَح لنبيه ولا صدِّيقه، فعلم معنى أن يستخلفه الله في أرضه، فحكم بما أنزل الله وعدل، واجتهد وأصاب، وحمّل نفسه ما لا تطيق خشية السؤال، فكان يدخل يده في دبر البعير ويقول: “إني أخاف أن أُسأَلَ عمّا بك!”، وكان يأكل مما يأكل منه فقراء المسلمين وربما أقل، وكثير وكثير مما لا يتسع المقام لذكره، فالرجل أكبر من أن تحتويه دَفَّتا كتاب، وإنما هي تذكرة، فكما فرق الله به بين الحق والباطل في صدر الإسلام، لربما نتبع أثره فنفرق بين الحق والباطل في زمن مالت فيه شمس الإسلام إلى الغروب.
قد صنعه الله من طينة نقية وُجِدَت بكثرة في تلاميذ رسول الله ﷺ، ولا يعجزه أن يصنعنا، إلا أننا انفلتنا من طينتنا وادّعينا الاستغناء!
مؤلف كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أبو الفرج الجوزي : وُلِدَ سنة خمسمئة وعشرة من الهجرة النبوية، ترعرع في مسجد محمد بن ناصر الحافظ في بغداد، وتفقه وسمع الحديث وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأقل ما اجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مئة ألف منهم الخلفاء والوزراء والعلماء، وتُوُفِّيَ -رحمه الله- سنة خمسمئة وسبع وتسعين من الهجرة النبوية.
وله عديد من المصنفات منها:
زاد المسير.
الأحاديث الموضوعة.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلد.