لا وصول إلا بالأصول
لا وصول إلا بالأصول
هذا ما حاول علماء القرن السادس وما بعده تقريره وبثه وإحياءه من جديد في الناس بعد طغيان الوساطة في الدين وبعد اتخاذها عقيدة لا يتدينون إلا من خلالها، وكان ابن الجوزي ممن عاصر تلك الوساطة في أوج عصرها، فحاول أن يخرج بالناس من ظلمات الوساطة إلى نور التوحيد الخالص ومن تقديس الشيخ أو القطب إلى تقديس المصدر الشرعي الرباني ومن عصمتهم إلى تحكيم آرائهم وأفكارهم ونقد أفعالهم بمعيار الشريعة الأصلية النقية كتابًا وسنة وبالطبع منهم الغزالي، كما حرص على إبطال التقليد داعيًا إلى إعمال العقل والجهد في تطلُّب فهم النصوص الشرعية وإخضاع ملكة النقد في قبول ورد مفاهيم الشيوخ وغيرهم، وفي ذلك يقول: “اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلَّد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه إنما خُلق للتأمل والتدبر…”.
أما في القرن الثامن فقد شهد ثورة على الوساطة ودعوة إلى التأسيس على أصول التوحيد حيث كثُر فيه من العلماء مَن تفرَّغ للتصدِّي لتلك الأباطيل كابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأبو إسحاق الشاطبي وغيرهم، وبقدر القوة التي واجهوا بها تلك الضلالات نجد العنف الذي وُوجهوا به أيضًا من نفي وتشريد وسجن.
أما منهج ابن تيمية فلم يختلف عن منهج الجوزي وكذلك الشاطبي إلا أن كلًّا منهم كان له أسلوبه وطريقته، فقام منهج ابن تيمية على إنكار البدع ورد الناس إلى جادة التوحيد الخالص وترك المغالاة في تعظيم المخلوقين والتنبيه على مزالق الشرك مهتمًّا بالعقيدة ذاتها المستمدَّة من الكتاب والسنة لا من الأذواق والأوراد، كما أنه ولانتشار الأشعرية في زمانه قصد إلى توضيح الفارق بينها وبين عقيدة أهل السنة والجماعة الصحيحة مبينًا ما للأشاعرة من صواب وما هم عليه من ضلال، وليس الأشاعرة فقط بل ونقد الغزالي أيضًا، موضحًا السبب الرئيس الذي أوصله إلى الصوفية المنحرفة فيقول: “… لكن لم يبلغه الميراث النبوي الذي عند خاصة الأمة من العلوم والأحوال… لانسداد الطريقة السنية النبوية عنه بما كان عنده من قلة العلم بها ومن الشبهات التي تقلَّدها عن المتفلسفة والمتكلمين…”.
أما الشاطبي، فعلى الرغم من أنه كان متأثرًا بالغزالي فإنه كان ناقدًا له مصوِّبًا لمنهجه مُعملًا فكره فيه، فأتى بكتابي “الاعتصام” متفقًا مع الغزالي على ضرورة إحياء علوم الدين لكن من خلال الاعتصام بالكتاب والسنة، وجاء في “الموافقات” مبينًا لأصول الشريعة نابذًا لدخول المنطق عليها.
وفي القرن الثاني عشر، نبغ المصلح الشهير محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، يسير على نفس الدرب، وكتابه “التوحيد” غني عن التعريف.
الفكرة من كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
هناك فوارق لطيفة دقيقة للغاية لا ينتبه لها معظم الخلق وتختلف أهميتها باختلاف عواقبها، ونحن هنا أمام فارق دقيق في عملية التربية الدعوية لا يُدرك أثره لمن لا يعلمه ابتداءً إلا بعد أن يقطع شوطًا في التربية فيُفتح عليه فيستدرك كما حصل للكاتب في بعض أمره.
بين التربية والوساطة، وبين التكوين والتلقين، وبين الإعداد والتقليد، هذا البون الذي يعرفنا عليه الكاتب مبكرًا للبعض وربما متأخرًا عند البعض الآخر، هذا البون هو ما يتمايز به القاصدون في النهاية، وربما مبكرًا!
مؤلف كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
الدكتور فريد الأنصاري: وُلد في المغرب وعمل في مجال الدعوة الإسلامية، مدارسةً وتطبيقًا، ولم يحُل ذلك بينه وبين الابتلاء كعامة عباد الله ممن يختارهم الله لهذا، لحكم ومقاصد شتى، فصارع المرض وصارعه المرض حتى غلبه بمستشفى إستانبول بتركيا، ثم نُقِل إلى مسقط رأسه ليُدفن هناك.
له العديد من المؤلفات في مجال الدعوة، ومنها:
مجالس القرآن في ثلاثة مجلدات.
الفطرية، بعثة التجديد المقبلة: من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام.
الدين هو الصلاة، والسجود لله باب الفرج.