لا نهاية للحروب ولا زوال للإنسانية
لا نهاية للحروب ولا زوال للإنسانية
ما دام الإنسان موجودًا، فستظل الحروب دائرةً، وهكذا حال الإنسانية التي لا تموت كذلك، ويخاطب هيرمان كل وزيرٍ مسؤول عن الحرب، ذاكرًا حالة ذلك الوزير الذي يخرج للعالم بخطابه المؤثر، فيُحرِّض على شنّ الحرب باعتبار أنه لا بديل لذلك رغم تفضيله السلام والتفاهم، ليرى الكاتب أن ذلك النوع من الخطابات يفتقر إلى الطابع الإنساني ولا يكون دافعًا إلا إلى تقديم مئات الآلاف الأخرى من الأرواح الإنسانية، فيتساءل عن مدى صعوبة البحث عن سبل مؤدية إلى السلام، ويُعبِّر بسخرية عمَّا وصلت إليه أوروبا من مساواة في انعدام الإنسانية من جهة، والدمار الحادث من جهة أخرى.
أصرَّ هيرمان هيسه أن يحتفل بعيد الميلاد الرابع في زمن الحرب مع أطفاله وعائلته، وذلك وسط دهشته مما فعلته بلاده في ذلك اليوم، إذ إنها تظل طوال العام تعامل سجناء الحرب كمجرمين قساة، ولكن في هذا اليوم تقوم بإرسال الهدايا الرقيقة إليهم، وكأن العواطف النبيلة قد أصبحت مناسبة سنوية كهذا اليوم، ثم ينسى العالم إنسانيته بعدها.
إن ما يثير الدهشة هو فن الحرب في التحطيم من أجل السلام، بمعنى أن يقوم كل طرف في الحرب بتحطيم الآخر لتحرير المضطهدين، وإقامة سلام دائم فقط، ومن وجهة نظر كل طرف أنه لا يتحقَّق ذلك إلا بسيطرته هو، مهما سيتسبَّب من دمارٍ وهلاك للوصول إلى ذلك الهدف.
الفكرة من كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
يعدُّ الباحثون أن مُفكِّرًا بمكانة “هيرمان هيسه” عاصر أعظم حربين شهدهما العالم، وهو وأعماله بمثابة كنزٍ بشري، ولا نرى هنا مؤلفنا يتحدَّث عن أحداث الحرب، إنما يحلِّل حال بلادِه “ألمانيا” وحال أهلِه، ويأخذنا إلى خواطره ورسائله إلى وزيرٍ مسؤول وحتى إلى أصدقائه وأقاربه، فنرى أن عمله يُخاطب الرُّوح الإنسانية التي نشأت في جوٍّ من السياسة والحرب، متسائلًا: هل الحرب منبعها الأديان أم الناس؟ هل يجب على كل إنسان أن يحمل على عاتقه هدف تحسين العالم؟ أم يكفيه تحسين نفسه بكل ما هو إنساني؟ إن كانت الحرب تعمل على تفريق الشعب، فلماذا لا نلاحظ أن الثقافة تعمل على ترابطهم وانصهارهم؟
مؤلف كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
هيرمان هيسه Hermann Hesse: كاتب سويسري من أصل ألماني، عُرِف بكثرة خلافاته مع أسرته لتمسُّكها المفرط بالبروتستانتية، بعد إنهائه دراسته في مدرسة “آلان” في شتوتغارت اتجه إلى بعض الأعمال الشاقة كالعمل الميكانيكي في مصنع للساعات، ولكن اتجه بعدها إلى العمل في مكتبة في “توبنجن” التي كانت سببًا في ظهور موهبته ودخوله إلى المجال الأدبي، فبدأ بالشعر ثم اتجه إلى الروايات الفلسفية والتربوية، وحصل على جوائز كبرى كجائزة نوبل في الأدب وجائزة غوته عام 1946م.
من أهم كتبه ومؤلفاته: ذئب البوادي – رحلة إلى الشرق- رواية تحت الدولاب- لعبة الكريات الزجاجية.