لا تقل إلا حُسنًا
لا تقل إلا حُسنًا
لا يقدر المرء أن يعِيش وحده، يحتاج دومًا إلى كتف اتكاء يُفضي إليه بسريرة نفسه ويهدئ من روعه، فلما التقى موسى في ما بعد شعيبًا -عليهما السلام- وقصّ عليه حكايته فطمأنه قوله ﴿لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
والمصطفى ﷺ يوم عاد مرتجفًا من غار حراء يردد: “دثروني”، آوى إلى زوجته خديجة -رضي الله عنها- فطمأنته.
وكذلك نرى يوسف -عليه السلام- يربّت على كتف أخيه قائلًا: “فلا تبتئس”، ونبينا الكريم ﷺ يشدّ على يد صاحبه في ظلمة الغار بـ”لا تحزن إن الله معنا”.
فحق على المرء أن يشارك أحبته أمره، ليس تطفلًا أو فضولًا جائرًا بل بدافع التقرّب والود، ولا يعني هذا هدم خصوصيته، بل يطلعهم بالقدر الذي يكون كافيًا ليطمئنّوا دون أن يتطرق إلى تفاصيل فرعية يحب أن يحفظها في نفسه، والبوح أحيانًا يساعدك على التخطى أو يكون أهم أسبابه، ولهذا يجب أن تختار لمن ستبوح وعمَّ ستتحدث.
ومفاد القول في هذا الشأن ألا تكون غرابًا متشائمًا لا يتحدث إلا في الخراب، غرّد خارج السرب، وحرر نفسك من عبيد اليأس الذين سينتهي بهم الأمر إما إلى الموت وإما الجنون.
والآن نعود إلى موسى وشعيب -عليهما السلام- فقد عقدا بعد اللقاء والطمأنينة اتفاقًا يقتضي أن يزوجه ابنته على أن يعمل لديه ثماني سنوات وإن أحب أن يزيدها عشرًا فلا بأس، فرد موسى بحكمة قائلًا: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾، كان يعلم جيدًا أن الوعد ليس كلمة عابرة بل ميثاق مرتبط بالوفاء والمروءة وإن أخلفه كان منافقًا، لهذا لم يضع نفسه موضعًا يمكن أن يجعله يهدر وعده أو يجعله يفي به بدافع الواجب لا المحبة، فيسر على نفسه بـ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾.
الفكرة من كتاب إلى الظل: قوانين للحياة
قصة دعوة نبيّ الله موسى -عليه السلام- من أقرب قصص الأنبياء إلى قلوب العباد، لأنها تلمس زلات المرء وضعف حيلته لولا إرشاد الله ومعيته له.
ومن خلال رحلتنا مع كتابنا نستخلص قيمًا وقوانين تؤوينا إلى الظل حيث تخطّي الهفوات ومعالجتها، فلكل موقف في حياة موسى -عليه السلام- حكمة يرسلها لنا الله على هيئة قصة، فلا نبرحها حتى نبلغ المقصد ونحفظه عن ظهر قلب.
مؤلف كتاب إلى الظل: قوانين للحياة
علي بن جابر الفيفي: حاصل على درجة الماجستير في تخصص الدعوة، يعمل محاضرًا في قسم اللغة والشريعة في كلية البرامج المشتركة بالمحالة، له أبحاث علمية مميزة في هذا المجال.
من أهم أعماله:
الرجل النبيل، لأنك الله، سوار أمي، حلية الوقار.