لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!
لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!
يتردد لفظ “الوسطية” بين المُتأثرين بالفكر الغربي في محاولة للربط بين الإسلام والثقافة الغربية، والإشكال في هذا المفهوم التصوُّر المُنطلق منه، والذي يتم توظيفه على مُرادهم، والحقيقة أن “الوسطية” وسطيتان: مطلوبة، ومرفوضة؛ فالوسطية المطلوبة هي التي نذكرها في صلاتنا كل يوم، يقول تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾، فهناك خط “الصراط المستقيم” وسط بين طريق “المغضوب عليهم” وطريق “الضالين”، فالوسطية المطلوبة تكون دومًا حقًّا بين باطلين.
أما الوسطية المرفوضة فكما في قوله تعالى: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ﴾، وفي قوله أيضًا: ﴿وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾، فالوسطية المرفوضة هي التي تكون وسطًا بين الحق والباطل، ومن ثم من أراد التوسط بين منهج الصحابة (رضوان الله عليهم) والفكر الغربي فوسطيته مردودة مذمومة، فمن حرَّف فهم السلف لتقريبه إلى الفكر الغربي هو من أولئك “المُذبذبين”.
وما أكثر الصور التي وقع فيها هؤلاء في محاولة الأخذ من هنا وهنا، فالاتجاهات الفكرية الحالية المخالفة للإسلام هي: العلمانيون، والليبراليون، والتنويريون، واليساريون، والجميع يعمل على “اختزال الإسلام” أو “تجزئة الوحي” أي الأخذ من الوحي بما يناسب فلسفة اتجاهه، فمثلًا “العلمانيون” يرددون حديث: “أنتم أعلم بشؤون دنياكم”، لكنهم ينفرون من نصوص تحكيم الشريعة.
أما “الليبراليون” فيرددون النصوص الشرعية الضامنة للحريات العامة، لكن ينفرون من نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما “التنويريون” فإنهم يتغنون بـ”وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا”، لكن ينفرون من نصوص تعظيم التوحيد، وأخيرًا اليساريون يحفظون آيات الشورى، وقصة موسى (عليه السلام)، لكن سرعان ما ينفرون من آيات الطاعة والاستسلام لله، ووصف المؤلف هذه الحالة بـ”الإيمان المشروط” وهي الإيمان بالنص القرآني أو النبوي الذي ينسجم فقط مع منظومته الفكرية.
الفكرة من كتاب سلطة الثقافة الغالبة
الكثير منَّا يعلم مقولة ابن خلدون في مقدمته: “إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب؛ في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. والسبب في ذلك: أن النفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه”، وقبل ابن خلدون تأمَّل الشيخ أبو إسماعيل الهروي كيف انبهر بعض المنتسبين للعلم الشرعي بالفلسفة اليونانية، ثم أتى أبو حامد الغزالي، ثم ابن تيمية، فلاحظا الملاحظة ذاتها، حتى عصرنا الحديث الذي اندهش فيه الكثير من فارق الإمكانيات بين أوروبا والمجتمعات المسلمة، فظهرت حركات التجديد والنهضة، والتي تعد إحدى ظواهر الهزيمة النفسية لثقافة الغرب الغالب.
وفي هذا الكتاب يُقدِّم الكاتب الأفكار المُختلفة التي يتضِّح من خلالها الدوافع الخفية في رغبة أصحابها بعدم المصادمة مع الثقافة الغربية، من خلال عدة طُرق متوهمة تُظهر أصحابها بصورة المُتعالم الجاهل.
مؤلف كتاب سلطة الثقافة الغالبة
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
الماجريات.
مسلكيات.
الطريق إلى القرآن.
مآلات الخطاب المدني.