لا إفراط ولا تفريط
لا إفراط ولا تفريط
كثير من فساد الأبناء يكون في الإغراق بالتدليل من الوالدين في غير موضعه، فينشأ الولد أو البنت على ميوعة غير محمودة، لا يستطيعون مواجهة الحياة بصلابة ولا يملكون معايير موضوعية للحب والكره، ولا يقدرون الأمور حق قدرها، ومما لا ينتبه له الأهل كذلك أنهم حين يتخذون موقفًا دفاعيًّا باستمرار عن أبنائهم تجاه أي توجيه أو نقد خارجي ظنًّا منهم أنهم بذلك يحمونهم، فإنهم في الحقيقة يحرمونهم من نصح المقربين وخبرات المحبين، وليس التدليل كله مفسدة وإنما الإفراط فيه ووضعه في كل موضع بلا حساب، بل إن التدليل محمود مطلوب، وهو من فطرة الوالدين السوية وما عداه انتكاس لها، فالتدليل المقصود والتربوي يفضي إلى قوة الشخصية وطمأنينة الطفل واستقراره وإشباعه عاطفيًّا.
ونقيض ذلك من يقسون على أبنائهم رغبة في تعليمهم الجلد والصلابة، فيفرطون في ذلك حتى ينشأ الأطفال معدومي الثقة، لا يشعرون بالاطمئنان النفسي، سريعي الغضب، ولا يستطيعون منح من حولهم عاطفة صادقة، فتفسد علاقاتهم الاجتماعية، ومما يقع فيه الآباء أيضًا هو التدخل والسيطرة على حياة الأبناء، راغبين أن يصنعوا منهم ما عجزوا عن تحقيقه، أو جعل حياتهم بصورة معينة في أذهانهم، فلا يتوقفون عن النقد والتوبيخ والأوامر والإملاء بوعي أو دون وعي، حتى تتقطع الصلات بينهم وبين أبنائهم، ويتهرَّبون من مُلاقاتهم ويبدؤون بإخفاء أسرارهم وعوالمهم الخاصة.
الفكرة من كتاب بين الآباء والأبناء.. تجارب واقعية
كان السؤال الذي يشغل المؤلف هو من أين يبدأ الإصلاح؟ وهل هناك موضع إن صَلُح صَلُحت من بعده شتى نواحي الحياة؟ إلى أن استقرَّ لديه أن هذا الموضع هو الإنسان نفسه، ومن هنا كان الاهتمام بأساس هذا الإنسان وتنشئته منذ الطفولة، فمهما كثرت المؤثِّرات وتشتَّتت العوامل، يبقى لأثر الأم والأب النصيب الأعظم والأبقى في نفوس الأبناء.
وانطلاقًا من إيمان الكاتب بأن التجارب الواقعية أكبر تأثيرًا من التنظير والكلام الفلسفي في نقل المناهج التربوية، فقد قام بجمع بعض التجارب التربوية التي نعرض هنا أهم أفكارها المُعينة في تنشئة الأبناء.
مؤلف كتاب بين الآباء والأبناء.. تجارب واقعية
مُحمَّد سليم العوَّا (1942م): مفكر إسلامي، وهو محامٍ ومستشار قانوني، حاصل على دكتوراه الفلسفة في القانون المقارن من جامعة لندن، وعمل بالتدريس في عدد من الجامعات العربية، وهو الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو مؤسس بالفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، برز على الساحة السياسية واعتقل في عهد عبد الناصر، كان مرشحًا لانتخابات الرئاسة المصرية سنة 2012، وله العديد من المؤلفات، ومنها:
الأقباط والإسلام.
العبث بالإسلام في حرب الخليج.
في النظام السياسي للدولة الإسلامية.