كيف يكون مزاجك يا ترى؟
كيف يكون مزاجك يا ترى؟
لا بدَّ أن يعلم الناظر في هذا العلم أن لكل عضو من أعضاء البدن دلالات، ويحكم عليه بناء على نظريات الطب القديم بالحرارة والبرودة، فالحرارة المعتدلة توجب الكمال، والبرد يوجب النقصان أو البطلان، ومع تطوُّر الطب صارت دلالات الحكم على صحة العضو أكثر مطابقة للحقيقة.
ويذكر الكاتب هنا علامات للأمزجة أولها المزاج الحار الذي يكون صاحبه ذكيًّا فطنًا سريع الكلام والحركة، شجاعًا غضوبًا جهوري الصوت، قوي الأعضاء، كثير الجماع حسن الهضم، أما المزاج البارد فعكس ذلك، فهو بطيء الفهم ثقيل اللسان بطيء الحركة، جبان خواف، منخفض الصوت.
أما المزاج الرطب فهو بليد نوَّام، حواسه غير صافية، تصيبه الرعشة عند الأفعال القوية، والضعف بعد الجماع، قليل الصبر، كثير التعب، أعصابه رخوة، وجلده رقيق مع كثرة سيلان الرطوبات كاللعاب والمخاط وغيرهما، وعلى العكس منه صاحب المزاج اليابس، فهذا صافي الحواس، صبور على التعب، حقود، أما في شكله الخارجي فأوتاره ومفاصله ظاهرة، نحيف البدن صلب الملمس.
وحين يجتمع المزاج الحار مع اليابس يكون صاحبه ذكيًّا صاحب حفظ قوي، ولكن أقل في الفكر، لأن الفكر هو انتقال من صورة إلى أخرى، وهذا مما يكمل بالرطوبة، وأما من ناحية الفعل فهو شجاع قوي ثابت.
وإليك هذه القصة: يقال إن أحد مفسري الأحلام دخل على أحد الملوك، فقال له إن سائر المفسرين يخبرونك بتأويل أحلامك، أما أنا فسأخبرك بما ستراه هذه الليلة، فتعجَّب الملك وسأله عن ذلك، فقال: ترى كأنك في دكان صباغ وتصبغ ثيابك بالسواد، فتعجب الملك منه، ثم لما نام ليلته رأى هذه الرؤيا بعينها، فدعا المفسر وقال له كيف عرفت ذلك، قال: هذا سهل، إن جميع علامات المزاج البارد اليابس ظاهرة فيك، ومن كان كذلك كان حفظه قويًّا، وأنا قلت صباغًا لأن الحرفة عجيبة بالنسبة إليك فهي أبقى في الذهن، واللون الأسود مناسب لهذا المزاج، فلما اجتمعت هذه الأشياء حدث ما حدث.
الفكرة من كتاب الفراسة
علم الفراسة من العلوم التي اشتهر بها المسلمون، وهو علم الفطنة والذكاء وقوة الملاحظة وجودة الذهن وقوة الحفظ، ينفذ به الرائي من خلال علامات ظاهرة إلى باطن النفوس ويجلي حقيقتها.
إننا لا ننفكُّ عن مخالطة الناس والتعامل معهم، فهذا تبدو عليه علامات الخير، وذاك يضمرُ الشر، وهذا نافعٌ وذاك مؤذٍ، ولما كانت معرفة حقيقة أمرهم شيئًا نافعًا جليلًا، ظهر هذا العلم وكان هذا الكتاب.
مؤلف كتاب الفراسة
فخر الدين محمد بن عمر الرازي، المعروف بفخر الدين الرازي أو ابن خطيب الريّ، ولد سنة 544 هـ في قرية الرّيّ، وتوفّي عام 606 هـ في مدينة هراة. هو إمام مفسر وفقيه أصولي، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم الطبيعية في: الفيزياء والرياضيات والطب، والفلك.
وقد بلغ الرازي في العلم مكانًا عظيمًا، فكان إذا ركب مشى في ركابه مئات التلاميذ والفقهاء، حتى لقب بـ “شيخ الإسلام”، وقد خلف تصانيف كثيرة في كل فن، منها: التفسير الكبير “مفاتيح الغيب” الذي جمع فيه ما لا يوجد في غيره من التفاسير، و “المحصول” في علم الأصول و”المطالب العالية” و”تأسيس التقديس” في علم الكلام، و”نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز” في البلاغة، و”الأربعين في أصول الدين”، و”كتاب الهندسة” وغيرها كثير.