كيف يتكيَّف المصريون مع أوضاعهم؟
كيف يتكيَّف المصريون مع أوضاعهم؟
من الجدير بالذكر أن آليات التكيف قد تختلط أحيانًا بآليات المقاومة بحيث يصعب التمييز بينهما، ومن ثم يصعب تمييز خاصية شخصية سيكولوجية معينة وتعيين موقفها ووضعها وما إذا كانت خاصية تكيفية أو آلية للمعارضة والمقاومة أم لا، وتتمثل آلية التكيف في عدد من الخصائص والأشكال؛ أولها: تصور المجتمع بشكل هرمي، ويرتبط ذلك التصور للمجتمع ببعض الخصائص النفسية التي ما تزال ظاهرة في كل الطبقات الاجتماعية، مثل فقدان المبادرة وانتظار التوجيهات الذي تنعكس آثاره على الكثير من الأمراض البيروقراطية المصرية، ونجد أن هذه الظاهرة جاءت بسبب الخوف من الوقوع في الخطأ وتجنُّب المبادرة من ناحية واحتفاظ المسؤول الأعلى بكل المسؤوليات في يده، كما نجد أيضًا ظاهرة الارتباط بالأشخاص وأصحاب المراكز، إذ يحرص كل شخص على أن يكون له معاونون لكي ينجزوا له مصالحه، فهذه الظاهرة تولِّد المحسوبية والشللية، وهي من الآفات الخطيرة التي تصيب الجهاز السياسي والبيروقراطي.
والشكل الثاني هو الازدواجية عبر أصعدة مختلفة، وتعد أحد مظاهر التناقضات ليس في الشخصية المصرية فقط، بل في الشخصية العربية بصفة عامة، وهي تقوم على التناقض بين الأقوال والأفعال في المواقف المختلفة، وليس من شك أنها لعبت دورًا مهمًّا بوصفها آلية أساسية بإزاء سياقات القهر بأشكاله ومظاهره المتعدِّدة، وقد أطلق الكتاب على هذه الازدواجية سمة “المطايبة”، والتي وصفها العامة بإرضاء الآخرين بما يحبون أن يسمعوه، والتي تتناقض وتتبدَّل بتبدُّل الأشخاص والمواقف.
والشكل الثالث هو السلبية والأنا مالية (اللامبالاة): والتي تندرج تحت المثل الشعبي “اللي مالكش فيه ماتتدخلش فيه” لأن المصري تعوَّد على مبدأ أنه من يقوم بتطبيق السلوكيات الإيجابية لن يجلب لنفسه سوى الضرر والأذى، لذلك يفضل الانسحاب والبعد عما يسبِّب له المشاكل والانتظار، وربما تلعب المقادير والظروف دورًا في حلها دون أي مجهود.
والشكل الرابع والأخير هو التصورات الميتافيزيقية والقناعات الشعبية؛ ويتمثَّل في اللجوء إلى الأولياء الأموات وإرسال الرسائل للإمام الشافعي للشكايا والطلبات بسبب موقفهم من أجهزة العدالة وفقدانهم الأمل في كفاءتها وقدرتها على نجدتهم والاستجابة لهم وتحقيق شكواهم.
الفكرة من كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
استنادًا إلى مفاهيم ذات بعد ماركسي، يحاول أستاذ علم الاجتماع عرض أحوال الشخصية المصرية بشكل عام وثقافيًّا بشكل خاص، معتمدًا على فكرة محورية لتفسير صفات المصري القديم حتى الشخصية المصرية الحالية، وهي كونها رد فعل تلقائيًّا لعمليات القهر الممنهجة ضده منذ قديم الأزل مع وصف الآليات الدفاعية المختلفة التي ينتهجها ضد أشكال القهر وما يترتب على تلك الآليات من سلوكيات إيجابية أو سلبية تلتصق بالشخصية المصرية ليست ناتجة عن حتميات طبيعية.
مؤلف كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
الدكتور محمود عودة: أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ونائب رئيس جامعة عين شمس ورئيس لجنة قطاع الآداب بالمجلس الأعلى للجامعات.
ومن مؤلفاته:
تاريخ علم الاجتماع.
أسس علم الاجتماع.
الصين الشعبية.