كيف نقضي اليوم؟
كيف نقضي اليوم؟
وقد بيّنَ ابن الجَوْزي لابنه كيف يُسير يومه بدايةً من طلوع الفجر، فلا يتحدث بشيءٍ من أمور الدنيا في هذا الوقت، ويقول عند انتباهه من النوم: “الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، إن الله بالناس لرؤوف رحيم”، ثم يقوم إلى الطهارة وصلاة سنة الفجر والخروج إلى المسجد، وفي خلال الطريق يقول: “اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبممشاي هذا إليك، أني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياءً ولا سمعة، خرجتُ اتقاءَ سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تجيرني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.
وقصد الصلاة إلى يمين الإمام، وبعد الانتهاء من الصلاة يقول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” عشر مرات، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره عشرًا، ويقرأ آية الكرسي، ويسأل الله سبحانه قبول الصلاة، ومن ثم يذكر الله تعالى إلى طلوع الشمس وبعد ذلك الصلاة.
ثم نصح ابنه أن يُعيد دروسه إلى وقت الضحى، ويصلي بعدها ثماني ركعات الضحى، وبعد ذلك يتشاغل بمطالعةٍ أو بنسخٍ إلى وقت العصر، ومن ثم يعود إلى دروسه بعد العصر إلى المغرب، ويصلي بعد المغرب ركعتين، ويقرأ فيهما جزأين حتى يصلي العشاء ويعود إلى دروسه. ثم إذا استلقى إلى النوم يسبح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويكبر أربعًا وثلاثين، ويقول دعاء: “اللهم قني عذابك يومَ تجمعُ عبادَك”.
وإذا استيقظ من النوم فيستيقن أن النفس قد أخذت حظها، ويبادر إلى الوضوء، ويُصلي في ظلام الليل ما أمكن، والتوسطُ في ذلك صلاة ركعتين خفيفتين، ثم بعدها الصلاة بركعتين بجزأين من القرآن، ثم العودة إلى دروس العلم، لأن العلم أفضل من كل نافلة.
الفكرة من كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
دائمًا ما تكون وصايا الآباء للأبناء مختلفة، فهي تجمع بين الحكمة والشفقة وخلاصة تجارب الحياة، فما بالك إن كان الإمام ابن الجَوْزي هو من سيقدم النصيحة والوعظ؟!
بلسانِ الأب العطوف الحنون المُلقب بواعظ الآفاق ومفخرة العراق، سيطرح لنا الإمام ابن الجَوْزي نصائح عدّة من شأنها المساعدة في استقامة أمور الدين والدنيا وفي سبل كسب العلم، بطريقة سهلة في الطرح، ومؤثرة في القلب، وبالغة الحكمة.
مؤلف كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
الحافظ ابن الجَوْزي: فقيه حنبلي ومحدّث ومؤرخ، وُلد سنة 508 هـ وتوفي سنة 597 هـ ببغداد، يمتد نسبه إلى أبي بكر الصديق، وعُرف بابن الجَوْزي نسبةً إلى شجرة جوز كانت في داره بواسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى “فرضة الجوز” وهي مرفأ نهر البصرة. وتميّز بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته، التي بلغت نحو ثلاثمئة مصنف في مختلف العلوم وبخاصة التزكية والرقائق.
توفي أبوه وهو في الثالثة من عمره فتولت تربيته عمته، وأرسلته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ ببغداد، فحفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلم الحديث الشريف، وقد لازمه نحو ثلاثين عامًا.
جلس ابن الجَوْزي للتدريس والوعظ وهو صغير، وكان يحضر مجالسه الخلفاء والوزراء والعلماء والأعيان، وأسلم على يديه نحو مئتين من أهل الذمة، وتاب في مجالسه أكثر من مئة ألف.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
الأذكياء.
صيد الخاطر.
صفوة الصفوة.
أخبار الحمقى والمغفلين.
زاد المسير في علم التفسير.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.