كيف نعرف أخلاق الناس؟
كيف نعرف أخلاق الناس؟
إن الطريق الأول إلى المعرفة يكون بحسب الشكل والهيئة، فإن للمزاج الخلقي والشكل الأصلي أحوالًا وهيئاتٍ مخصوصة تظهر على محيَّا الشخص ووجهه خصوصًا وعلى سائر أعضائه، فمثلًا عند الغضب له حالة وهيئة يُعرَف بها، وعند الخوف له حالة وهيئة أخرى، وعلى ذلك إذا كان الشخص بطبيعته غضوبًا، فإن لوجهه هيئةً وشكلًا، تعرف من خلالهما أن الغالب عليه هو الغضب.
وحين نقرُّ بأحد الأخلاق في شخص ما فإننا نستدل به على وجود خلق آخر، فسريع الغضب لا يكون تام الفكر في الأمور، وإذا رأيت في الشخص وقاحةً ظاهرةً علمت أنه لصٌّ نذل.
أما الطريق الثاني فعن طريق الأصوات، فالصوت الجهوري الغليظ دليل الغضب، والصوت الحاد الخفيف دليل الخوف، ويمكن أن تستدلَّ من طبيعة الصوت في الأحوال العادية على خُلق الشخص ومزاجه، وأما الطريق الثالث فهو المقابلة بين الإنسان وما يشبهه من الحيوانات، وهذا ليس قياسًا فقط ولكن بحكم التجربة الطويلة والاستقراء، فعندما نشاهد حيوانًا عريض الصدر قويَّ الأعضاء نجده شجاعًا، وعليه عندما نرى إنسانًا يتصف بهذا المظهر فإننا نقابله بمثل هذه الصفة، وعندما نرى شخصًا عظيم العين، نقول إنه كسلان، وهذه الدلالة مأخوذة من مشابهة عين الثيران.
أما الطريق الرابع فهو طبيعة أهل البلد أو العرق المخصوص، وقد يشترك أهل العرق الواحد في صفة معينة، كأن نقول إن أهل المشرق طوال القامة، وأصحاب قلوب قوية وشجعان، وإذا وجدت مغربيًّا على شكل مشرقي حكمت له بهذه الصفات أيضًا، والعكس صحيح، أيضًا قد يكون السكن والبلد من العوامل المؤثرة في المزاج والأخلاق، فساكنو الأماكن الحارة ضعيفو القلوب والحرارة، بعكس ساكني الأماكن الباردة، فهم أقوى وأشجع.
وهذه الأشياء مهمَّة لصاحب علم الفراسة، فعليه أن يتأمَّل الحوادث عند حصولها، وينتبه للأشكال، ويجمع بينها ليحصل له النظر الصحيح والحكم السليم.
الفكرة من كتاب الفراسة
علم الفراسة من العلوم التي اشتهر بها المسلمون، وهو علم الفطنة والذكاء وقوة الملاحظة وجودة الذهن وقوة الحفظ، ينفذ به الرائي من خلال علامات ظاهرة إلى باطن النفوس ويجلي حقيقتها.
إننا لا ننفكُّ عن مخالطة الناس والتعامل معهم، فهذا تبدو عليه علامات الخير، وذاك يضمرُ الشر، وهذا نافعٌ وذاك مؤذٍ، ولما كانت معرفة حقيقة أمرهم شيئًا نافعًا جليلًا، ظهر هذا العلم وكان هذا الكتاب.
مؤلف كتاب الفراسة
فخر الدين محمد بن عمر الرازي، المعروف بفخر الدين الرازي أو ابن خطيب الريّ، ولد سنة 544 هـ في قرية الرّيّ، وتوفّي عام 606 هـ في مدينة هراة. هو إمام مفسر وفقيه أصولي، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم الطبيعية في: الفيزياء والرياضيات والطب، والفلك.
وقد بلغ الرازي في العلم مكانًا عظيمًا، فكان إذا ركب مشى في ركابه مئات التلاميذ والفقهاء، حتى لقب بـ “شيخ الإسلام”، وقد خلف تصانيف كثيرة في كل فن، منها: التفسير الكبير “مفاتيح الغيب” الذي جمع فيه ما لا يوجد في غيره من التفاسير، و “المحصول” في علم الأصول و”المطالب العالية” و”تأسيس التقديس” في علم الكلام، و”نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز” في البلاغة، و”الأربعين في أصول الدين”، و”كتاب الهندسة” وغيرها كثير.