كيف نربي شخصًا خائفًا؟
كيف نربي شخصًا خائفًا؟
يتعلم المرء الثقافة المجتمعية عبر عملية التنشئة الاجتماعية، يتعرف خلالها على ما يسمى بالاحترازات الثقافية، وهي الأمور التي يجب القلق بشأنها أو الخوف منها، لتتربى ذات خائفة، بجانب بناء المجتمع شخصية إنسانية لأفراده، تعبر عن القيم المهمة والمبادئ المحورية الواجب توفرها، وبملاحظة آثار عملية التنشئة الاجتماعية ومحصلة الشخصية الإنسانية، نجد تصورًا ثقافيًا ضئيلًا عن الشجاعة، محصورًا في آليات تحسين الذات، فأبسط الأفعال اليومية أصبحت تتطلب شجاعة كبيرة، كما سيطر الخوف من الانتقادات والأحكام على الأذهان، لدرجة مناداة البعض بتوفير مساحات آمنة خالية من النقد، بالإضافة إلى مهاجمة من يطلق الأحكام على الآخرين.
يمكننا الاعتراف بأن الناس أنشئوا على الخوف، فأصبحوا يتجنبون أو يهربون من المشكلات الحقيقية بدلًا من مواجهتها، فمثلا، ويبدأ ذلك منذ الطفولة، فتعزل الثقافة التربوية الحديثة الأطفال عن البيئة المحيطة بزعم حمايتهم من التهديدات، تزامن ذلك مع اتساع تعريف التنمر وممارساته، بسبب ربطه بمجرد انطباع الشخص المتلقي، وليس مصدرًا خارجيًا مستقلًا واضحًا، في ظل تراجع قيم التربية التقليدية، وتصاعد سلطة علم النفس على النظام التعليمي، والتي زرعت آليات العلاج النفسي في قلب عملية التنشئة الاجتماعية للصغار، مما تسبب في تعزيز السلوك الطفولي والاحتياج الملح لمساحة آمنة خالية من أي منغصات.
عندما نحاول وصف الأطفال اليوم داخل عملية التنشئة الاجتماعية، فإننا لن نقول “إن الطفل يخاف من أمر ما”، بل سنكتفي بتعبير “إن الطفل خائف”، فالخوف صار حالة عامة مطلقة، لدرجة انطلاق دعوات في بريطانيا تدعو لاستبدال القلم الأحمر بأي لون آخر عند تصحيح الكراسات، لأنه يثير قلق الطلاب!
الفكرة من كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
انتشر مصطلح ثقافة الخوف في أدبيات علم الاجتماع، وزادت نسبة الاهتمام به، وبذل عدة باحثين مجهودات ضخمة لتتبع الخوف، وتحديد مظاهره وسماته وتاريخه، وكلما تعمقوا في البحث، تيقنوا أن للخوف تأثيرًا ضخمًا على حياتنا وعالمنا، بل قد يصبح الدافع الوحيد أما البشرية للتحرك إلى الأمام.
كيف نخاف؟ ومما؟ وما الذي يصنع مجتمعا خائفًا وآخر شجاعًا؟ وهل تغير خوفنا بتقدم العلم والمعرفة؟ ألم تعدنا الحضارة بالقضاء على الخوف، وبمستقبل خال من التهديدات؟ فما الذي تغير؟ سنجيب عن تلك الأسئلة رغبةً في فهم الخوف في القرن الواحد والعشرين، لعلنا نتمكن من إدارته وتنظيمه.
مؤلف كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
فرانك فوريدي: عالم اجتماع مجري ولد في بودابست بعام ١٩٤٧م، هاجرت عائلته من المجر إلى كندا بعد انتفاضة ١٩٥٦م الفاشلة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية في جامعة ماكجيل، ثم انتقل ليعيش في بريطانيا منذ عام ١٩٦٩م، ثم حصل على درجة الماجستير في السياسة الأفريقية من كلية الدراسات الشرقية الأفريقية، أتبعها بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة كينت عام 1987م. كرس عمله الأكاديمي لدراسة الإمبريالية والعلاقات العرقية واستكشاف علم الاجتماع، مؤلفا عدة كتب مثل:
أين ذهب كل المثقفين؟
سياسة الخوف.
معلومات عن المترجم:
كريم محمد: كاتب ومترجم مصري، من أعماله:
حتى تنطفئ النجوم.
سوف ننجو بأعجوبة.