كيف سيكون العالم الهادئ؟
كيف سيكون العالم الهادئ؟
هناك الكثير من الناس يشعرون بالإرهاق من تسارع كل شيء حولهم، ويتمنَّى الواحد منهم لو يحظى بالقليل من البطء والهدوء، لكنه يخجل من طرح الفكرة من الأساس؛ خشية أن يظن الناس به الكسل، أو يكره أن يراه الناس مخطئًا، إذن فالأمر كله يحتاج إلى يد تساندك وتؤيِّد قرارك وتشعر أنك لست الوحيد، كقفزة الثقة، تحتاج لترى الآخرين وتشاطرهم أفكارك لتزيد ثقتك بها، وهذه أهمية وجود أماكن كجمعية إبطاء الزمن، ونادي الكسل.
يقول ديفيد روني وهو أمين الوقت في متحف العلوم بلندن: “في الثورة الصناعية عندما أصبح العمل يحكم الحياة، فقدنا السيطرة على أوقاتنا، وما نراه الآن هو ربما بدايات رد فعل على ذلك، يبدو وكأن الناس وصلوا إلى نقطة لا يريدون فيها تقطيع وقتهم إلى أجزاء أصغر وأصغر، بدقة أكبر وأكبر، لا يريدون أن يسيطر عليهم وسواس الوقت، ولا أن يصبحوا عبيدًا للساعة”.
ومن الحديث عن العالم الهادئ ننتقل إلى الطعام الهادئ، بالتأكيد أثرت السرعة في الطعام أيضًا وأفقدتنا الشعور به وبلذَّته، فبعد أن كنا نتمهَّل في الزراعة والحصاد ونطهو الطعام بدقة وذوق، فجأة ظهرت الأسمدة والكيماويات والتعديل الوراثي،كل الأطعمة متاحة طوال العام، وجبات سريعة وكل شيء أصبح سريع التحضير، حتى الحيوانات يتم تسمينها لتكبر وتُذبَح سريعًا!
حتى ظهرت حركة الطعام البطيء التي تدعو إلى تمهُّل في الزراعة والطبخ والأكل، كما أنها تدعو إلى مقاطعة التعديلات الوراثية للمواد الغذائية وتدعم الزراعة العضوية لأنها أقل ضررًا للبيئة وللإنسان،
ولكن هل إذا تم حل مشكلة الغذاء سيرجع الناس إلى هدوئهم وتأملهم؟ ستجد المتسكعين والمتأملين وجلسات الدردشة العائلية والروابط الاجتماعية؟ أم أن كل هذا اختفى باختفاء البيئات الهادئة كالريف والقرى، وانطلاقًا من هنا بدأت حركات البطء في السيطرة على مدن بأكملها وإلحاق كلمة بطيء بعد اسم القرية، ما يضفي عليها جاذبية، وكانت هناك شروط منها التقليل من الضوضاء وزيادة المساحات الخضراء ومناطق المشاة، ودعم المزارعين المحليين ومطاعمهم وتعزيز روح الضيافة وحسن الجوار وغيرها من صفات أهل القرى، وهذه ليست عودة إلى الوراء، بل دمج القديم مع المعاصر لتحقيق التوازن، وذلك لأن الدراسات أثبتت أن الروابط الاجتماعية قد اختفت في المدن، وقد يكون من الصعب نجاح كل هذه الأمور، وبخاصةٍ عندما تريد أن تجمع بين كلمتي “مدينة” وهدوء، أو أن تحول المدينة إلى “قرية معاصرة”، لكنها بالتأكيد تستحق التجريب.
الفكرة من كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
في البداية تم بناء سفينة “غير قابلة للغرق”؛ رغبةً من العالم في تسجيل سرعات قياسية لعبور المحيط الأطلنطي مهما كان الثمن، ولكن للأسف تم اصطدام هذه السفينة بجبل جليدي، ما أدَّى إلى غرقها في اليوم الرابع من إقلاعها!
“تيتانك” بالطبع نعلم جميعًا هذه السفينة، ومن هنا بدأت صيحات العالم لإيقاف حماقة السرعة والتأمل في استعبادها لنا.
يبدأ الكتاب بالحديث عن أضرار السرعة على المجتمعات من جميع النواحي، ويشرح بعدها معنى مفهوم الوقت ومتى ظهر وكيف كان القدماء يتعاملون معه ومتى ظهر مفهوم السرعة، ثم يدعونا الكاتب لعالم بطيء متمهِّل فيحكي لنا عن نادي الكسل في اليابان وقرى بطيئة في إيطاليا، وكيفية تنشئة طفل متمهِّل، وكيف أفقدتنا السرعة متعة الأشياء كالطعام والجنس وحتى متعة التفكير والطب، وكيف نتغلَّب عليها وننعم ببعض الهدوء.
مؤلف كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
كارل أونوريه: هو صحفي كندي من مواليد اسكتلندا 1967، تخرَّج في جامعة إدنبره، وهو حائز على شهادتين في التاريخ واللغة البريطانية، عمل مع أطفال الشوارع في البرازيل، وهذا ما ألهمه أن ينحو نحو الصحافة،كتب العديد من الكتب التي حقَّقت رواجًا عالميًّا، وأشهرها: “في مديح البطء”.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: مستشار إعلامي وكاتب ومترجم سوري مقيم في دبي، بدولة الإمارات، وهو من مواليد حمص 1961 حاز على البكالوريوس في الهندسة، ثم درس الأدب الإنجليزي عامين في جامعة حلب، وتفرَّغ منذ عام 1996 للعمل الصحفي والإعلامي حتى شغل منصب مدير تحرير الطبعة العربية في مجلة PC Magazine ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربز” العربية وغيرها.