كيف تُداوي الأمة جراحها؟
كيف تُداوي الأمة جراحها؟
يتمثَّل الحل الأول لهذه الثغرة في النظر في تلك المشكلات التي تعانيها الأقليات باعتبارها جزءًا رئيسًا من الأمة، ثم إدارة حوار جاد مع حكماء هذه الأقلية بهدف قطع الطريق على الغلو بأنواعه -كالغلو الديني- عند مختلف الأطراف، وأخيرًا مداواة الجراح بدلًا من ردود الأفعال باعتباره منهجًا إسلاميًّا للتعامل مع مثل هذه المشكلات، ولنشرح هذه الجزئية تحديدًا.
قبل قرنين من الزمان اجتذبت الحملة الفرنسية على مصر مجموعةً من الأقباط الذين قادهم “المعلم يعقوب حنا” للانضمام إلى الجيش الفرنسي وخيانة وطنهم وكنيستِهم، فهاجموا المصريين والمسلمين خصيصًا ودمَّروا ممتلكاتهم، ثم لما هُزِمت الحملة سنة 1801م، صبَّ المسلمون غضبهم على النصارى واليهود بشكل عام دون تفريق بسبب ما حدث، لكن جاءت “فرمانات سلطانية” تعلن العفو، وتحذِّر من الانتقام أو التعرض بالأذيَّة لنَصراني أو يهودي، وتضمَّنت تلك الفرمانات آياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية، وقد جاء ذلك للقضاء على الفتنة تمامًا ومداواة الجراح بحق.
إننا نتذكَّر كلمات البابا “شنودة الثالث” بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، لما قال: “إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية، يكونون أسعد حالًا وأكثر أمنًا”، إذًا فالوحدة الوطنية تشمل وحدة منظومة القيم ووحدة المدرسة ووحدة المحكمة والقانون، كما نرى بين طوائف الأمة دون تمييز، ثم نرى شمول الفقه الإسلامي لقوانين الأحوال الشخصية والمدنية والجنائية والتجارية والدولية على الأمة باختلاق عقائدها الدينية، وذلك لأن الإسلام بقوانينه قد عرف معنى هذا الشمول الذي يضم جميع طوائف الأمة دون تمييز.
الفكرة من كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
إن نقطة قوة الحضارات تكمن في أقليَّاتِها، فمنها تعرف أتستقرُّ الحضارة أم تزول ولا يبقى لها أثر، وكذا الحال في إمبراطوريات مضت كالرومانية التي لم تُهلك إلا بالأقليات الموجودة بها، ولقد كان من الضروري أن نتعمَّق في موقف الإسلام مع الأقليات والسياسة التي تعامل بها معهم حينما كانوا تحت ظلاله ولا يزالون.
وعمومًا، فبمرور الزمن وتتابع التاريخ ستجد أن سياسةً استعمارية قد بلورت أهدافها على يد هذه الثغرة؛ ثغرة الأقليات، وكلُّ ما عليك أن تدعم أقلية وتسلِّط الضوء عليها، فهذا يكفي لإسقاط دولة سمحت لك بالتغلغل في هذه الثغرة كدول لبنان وسوريا والعراق وليبيا، فما القصة؟
مؤلف كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
الدكتور محمد عمارة (1931-2020)، هو مفكر إسلامي مصري، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقًا، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965م من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975م، وألَّّف ما يصل إلى 147 كتابًا، ومن أهم مؤلفاته:
عندما دخلت مصر في دين الله.
مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام.
القدس بين اليهودية والإسلام.