كيف تُبنى اللغة؟
كيف تُبنى اللغة؟
اللغة كالأجسام تتركب من ذرات صغيرة، فمزيدات اللغة ترجع كلها إلى مجردات، كما يسير العالم من البسيط إلى المعقد، وقد تكون مزيدات ليس لها مجردات مستعملة، مما يدلُّ أنها استُعمِلت قديمًا ثم هُجِرت لأن فرعها أصلح منه، ولا تعقل زيادة من دون أصل ترجع إليه، والمجرد الثلاثي في علم الصرف هو أول المجردات من حيث النظر إلى الكلمات بعد أن استقر عليها التطور اللغوي على قواعد عامة يحول بها الناطق من صيغة إلى أختها، أمَّا من حيث نشأة اللغوي وبنيتها فإن أصل اللغة هو المقطع الصوتي الواحد، وتراكم المقاطع الصوتية هو ما يؤلِّف الكلمات.
وحروف اللغة العربية ثمانية وعشرون تزيد عليها حروف فرعية مثل الهمزة المسهلة وألف الإمالة والغنَّة واللام المفخمة، وهي ليست حروفًا مستقلة ولا مخرج خاص لها، بل تتلوَّن بمخرجين أو أكثر.
والحروف تنقسم إلى طوائف ثلاث: طائفة تتصل بما قبلها فقط وهي الدال والذال والراء والزاي، وأخرى لا تتصل بما قبلها ولا بما بعدها وهي الهمزة، وثالثة هي باقي الحروف تتصل بما قبلها وما بعدها، ولو أنهم كتبوا الحروف متراصة، كلَّ حرفٍ بمفرده، لسهل إدخال حروف الحركات في بنية الكلمة ولتقدَّمت اللغة أسرع وكانت دراستها أسهل، فعلم الإملاء مثلًا وُضِع خصيصى للهمزة، والألف فرع منها، وهو جهد ضائع وإضاعة للأعمار في دراسة قواعد مملَّة لأن قواعد النحو والإملاء لا تكفي للنطق بالكلمة مميزة دون لَبس، والحاجة إلى تحسين الكتابة العربية ماسَّة، وهذه أمثلة لجعل أشكال الحروف الفرعية أيسر، فالهمزة المسهلة تكتب همزة صغيرة تحتها ثلاث نقاط رقعة، وحرف الإمالة يكتب ألفًا فوقه ثلاث نقاط رقعة، واللام الفخيمة: تكتب لامًا فوقها ثلاث نقاط رقعة.
والحروف إما جوفية تنشأ من دفع الهواء فقط وهي الألف والواو والياء وتسمى حروف العلَّة، وإما عضلية تحتاج إلى تشغيل عضلة كاللسان والشفتين، وهي بقية الحروف، هذه الحروف العضلية تتحمَّل الحركات في سهولة بخلاف الجوفية التي لا تكاد تطيقها، فيظهر الثقل في الكلمات، ولهذا شأن كبير في الإبدال.
الفكرة من كتاب كينونة اللغة العربية
ليست اللغة وسيلة للتفاهم وأداة لنقل المعاني فحسْب، بل هي تعبير عن مدنية الإنسان التي مكَّنته من اختراع هذه الأداة العظيمة لينقل بها مشاعره وأحاسيسه وأفكاره، ويؤلفَ شعوبًا ومدنًا وحضارة، وفي هذا العرض الموجز نستكشف عواملَ نشأة اللغات وكيف تنمو وتنتظم وتتطوَّر، ومن واضعها، وما وضعها وبنيتها، وندرس جانًبا من خصائص اللغة العربية وبعض المشكلات التي تواجه دارسيها.
مؤلف كتاب كينونة اللغة العربية
الدكتور عبد الفتاح بدوي: كاتب وعالم، يعدُّ كبار علماء الأزهر الشريف، وُلد بقرية طحلة مركز بنها بمحافظة القليوبية عام ١٨٩٨، درس في المعهد الأزهري بالإسكندرية، وحصل على شهادة الدكتوراه الملكية عام ١٩٢٩، وعمل مدرسًا بكلية اللغة العربية منذ عام ١٩٣٣ حتى وافته المنية (رحمه الله) عام ١٩٤٨.
ومن مؤلفاته: “كتاب في العروض والقوافي”، وله جهود وآراء متميزة في قضية الأضداد في اللغة، وكتب في التاريخ، وذكر الزركلي ترجمته في الأعلام.